جمانة فرحات في خضم سلسلة الفضائح التي تطاله منذ أشهر، وتزايد الشكوك في أن سيطرته على السلطة ربما بدأت تضعف، يواجه رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسوكني غضب المعارضة والاتحادات النقابية بعد إحالة حكومته للبرلمان الايطالي عفواً عاماً يطال الجرائم المرتبطة بالتهرب الضريبي والاحتيال المحاسبي، على عكس الوعود التي قطعها وزير ماله، جوليو تريمونتي. وتفجر الجدل حول مسألة العفو، بعدما أقره مجلس الشيوخ بشكل أولي قبل يومين عقب إدخال تعديلات جديدة عليه ليشمل الأموال التي أخفاها الإيطاليون خارج البلاد.
ووفقاً لمسوّدة العفو الجديد، فإن الأفراد أو الشركات الذين لديهم أموال غير معلن عنها في الخارج سيخيّرون بين إعادة الأموال إلى الوطن أو إبقائها في الخارج، وتنظيم وضعها من خلال دفع غرامة قدرها 5 في المئة من أصل الأموال المهربة. وسيمنح الايطاليون مهلة حتى منتصف شهر كانون الأول للاستفادة من العفو بعد إقراره بشكل نهائي.
ولعل أخطر ما يتضمنه العفو، إعفاء المصارف الايطالية من ضرورة ابلاغ المصرف المركزي عن أي شبهة لغسل الأموال، كما سيمنح الحصانة من الملاحقة القضائية لمرتكبي الجرائم المالية التي لم ينظر فيها القضاء بعد.
هذه البنود أثارت غضب المعارضة التي هاجمت العفو عبر الصحف بسبب افتقادها للأغلبية البرلمانية التي تسمح لها بعرقلة إقراره. ورأى رئيس تحرير صحيفة «يونيتا» المحسوبة على المعارضة، أن مشروع الحكومة «وصمة عار لجميع الشرفاء».
بدورها، أطلقت صحيفة «مانيفستو» اليسارية وصف «عفو العار» على القانون المقترح. ونقلت عن عضو مجلس الشيوخ اليساري، جيانبيرو داليا، قوله إنه «بموجب العفو المخزي سيستطيع الارهابيون ورجال العصابات استخدام أموالهم غير الشرعية من دون أي رقابة». وقد ذهب البعض أبعد من ذلك إلى حد اتهام برلوسكوني، الذي سبق أن واجه اتهامات بالفساد والتهرب الضريبي، بأنه يسعى إلى السماح للمجرمين ورجال العصابات بتبييض أموالهم.
من جهته، شن رئيس اتحاد النقابات العمالية، جوجليلمو ابيفاني، هجوماً لاذعاً على معدي الاقتراح، واصفاً اياهم بـ«الأوغاد».
كذلك لم ينج الاقتراح من انتقادات خط الوسط. ورأى زعيم الحزب الديموقراطي المسيحي، بيير فرديناندو كاسيني، أن التعديل الذي طرأ على العفو غير مقبول، موضحاً «لقد قلنا دائماً خطباً حول الحاجة إلى الأخلاق في الاقتصاد».

العفو الضريبي هدية للطبقة الميسورة، وإهانة لمبادئ الأخلاق والنزاهة
أما عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديموقراطي المعارض، جيراردو دابروسيو، فرأى أن العفو «انتهك الدستور»، فيما شدد زميله في الحزب جوليانو باربوليني، على أن الاقتراح لا يعدو كونه «هدية للطبقة الميسورة، وإهانة لمبادئ الأخلاق والنزاهة».
إلا أن الحكومة تتمسك بالعفو الجديد بعدما كشف المدير العام للوكالة الضريبية، أتيليو بيفيرا، الشهر الماضي عن وجود 170 ألف حالة تهرب ضريبي. وقدرت مصادر مصرفية امتلاك الإيطاليين ما يقارب 600 مليار يورو في الخارج، يتوقع أن يساهم إقرار العفو في عودة ما لا يقل عن 80 مليار يورو منها.
وما يشير إلى احتمال تصاعد الأزمة بين الحكومة والمعارضة، الاتهامات التي ساقها وزير الادارة العامة ريناتو برونتا قبل نحو أسبوع ضد النخبة الاقتصادية في إيطاليا متهماً إياها بالإعداد مع عناصر من المعارضة اليسارية «لانقلاب شامل» لإطاحة الحكومة.
فهل يستطيع برلوسكوني مواجهة المعركة والصمود كما اعتاد أن يفعل أم يواجه مصير حكومة سلفه رومانو برودي ويضطر لتنظيم انتخابات مبكرة؟ وذلك في ظل ملاحقة الفضائح له، وكانت آخرها قبل ثلاثة أيام عندما وضِع رجل الاعمال المقرب منه جيان باولو تارانتيني، المتهم بالوقوف وراء دفع أموال لنساء حضروا إحدى حفلات برلوسكوني «مقابل خدمات جنسية»، تحت الإقامة الجبرية في منزله بعد الاشتباه في تورّطه في الاتجار بالمخدرات.