أول قمّة لمجلس الأمن يرأسها أوبامانيويورك ـ نزار عبود
تبنّى مجلس الأمن الدولي بالإجماع أمس، قراراً جديداً غير ملزم رقمه 1887، وذلك في أول قمة نووية تُعقَد على هذا المستوى في المجلس الذي تسيّد جلسته الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي صُودف أن تكون بلاده رئيسة المجلس لهذا الشهر. وبذلك، دخل أوباما التاريخ بما أنه الأميركي الأول الذي يرأس قمة لمجلس الأمن منذ تأسيسه عام 1946.
ويتعلق القرار بمعاهدة منع انتشار السلاح النووي، مع تحديد هدف «حالم» وهو الوصول إلى عالم خالٍ من السلاح. وبُرّر اتخاذه بـ«الخوف من انتقال السلاح النووي إلى أيدي جماعات إرهابية، أو دول مارقة، ومن أجل منع تحويل القدرات النووية السلمية لبعض الدول، إلى قدرات عسكرية».
ويسبق هذا القرار موعد مراجعة معاهدة منع الانتشار، وهي المقرّرة في عام 2010 خلال «مؤتمر الأمن الدولي». ويُتوقَّع أن يعزّز نظام رقابة الانتشار النووي. ويأتي إقراره بعد وقت قصير من إلغاء برنامج الدرع الصاروخية الذي كانت واشنطن تنوي نشره في شرق أوروبا قبالة الجبهة الروسية.
وحمل القرار رسالة صريحة نقلها أوباما في كلمته، مفادها «إنّنا ماضون بجدية في هذا المشروع»، وأوّل تطبيقات هذه النوايا يجدر أن تكون عبر «التطبيق العاجل لمعاهدة منع التجارب النووية»، والتفاوض على معاهدة ترمي إلى منع إنتاج المواد المشعة للأغراض العسكرية، إضافة إلى المضي في محادثات روسية ـــــ أميركية بشأن خفض التسلّح النووي كي تحل محل معاهدة «ستارت».
ومن بين ما يلفت النظر في هذا القرار، أنّه الأول من نوعه الذي يتحدث عن مجموعات غير حكومية، ويشدّد على ضرورة عودة دول (مثل كوريا الشمالية) إلى نظام معاهدة منع انتشار السلاح النووي، ويشير إلى منع الانتقال «النووي» من الميدان المدني إلى العسكري، وهذا يشمل العديد من الدول (مثل اليابان وكندا والبرازيل، وعدة دول أميركية وأوروبية). ومن ضمن ما جاء فيه، تشديد على ضرورة إنشاء مناطق منزوعة من السلاح النووي، مع دعوة الدول الأعضاء في معاهدة منع الانتشار، إلى «الالتزام الحرفي بالنظام»، ويدعو الدول الأخرى (مثل إسرائيل) إلى الانضمام للمعاهدة.
إلا أنّ القرار لم يتطرّق إلى «إخراج الأسلحة النووية من المعادلات الاستراتيجية الأمنية»، وهو لم يتناول دور مجلس الأمن الدولي في هذا المجال، ولم يحدد دولاً تملك ترسانات نووية ولم يلفت إلى ضرورة تفكيكها، مثل إسرائيل والهند والباكستان غير الموقعة على معاهدة «منع الانتشار». وتوقف المراقبون عند كون القرار لم يأتِ على ذكر خطوات محدّدة لتطبيق مسؤولية المجلس تحت ميثاق الأمم المتحدة من أجل اقتراح خطط لنزع السلاح.
لقد سمّى أوباما في كلمته، إيران وكوريا الشمالية، بالنسبة لموضوع الالتزام الحرفي ببنود القرار. غير أن الرئيس الأميركي يدرك مدى رمزية تمنّياته، ببساطة لأن القرار غير ملزم، إنما يحمل قيمة معنوية كبيرة نظراً للمشاركة الكبرى التي اتسم بها، بالتزامن مع الانفراج السياسي بين الدول الكبرى غداة إلغاء برنامج الدرع الصاروخية الأميركية في تشيكيا وبولندا.
ونظراً لأنّ القرار يطالب الأطراف المشاركة في معاهدة حظر الانتشار النووي، بالالتزام بوعودهم بعدم صنع رؤوس ذرية، وعلماً بأنّ جميع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) لديها قنابل ذرية، فقد دفعت هذه المعطيات بعض مسؤولي الدول النامية إلى اعتبار أن هذا القرار «يثبّت سياسة بدأت قبل 40 عاماً قائمة على التمييز النووي».
إلّا أنّ شبه إجماع ظهر عند الدبلوماسيين والمحللين حول أن القرار المبني على مسودة أميركية، يعكس السياسة النووية الجديدة لأوباما، وهي التي تتناقض كلياً مع سلوك إدارة سلفه جورج بوش.
وبينما لم يأتِ القرار على ذكر إيران أو كوريا الشمالية، انتهز بعض المتحدثين المناسبة ليجددوا هجومهم على إيران، وهو ما استدعى ردّاً من هذه الدولة على «المزاعم الخاطئة» التي جاءت على لسان حكام باريس ولندن.
ووصل الأمر برئيس الوزراء البريطاني غوردون براون إلى تحذير زملائه الأعضاء في مجلس الأمن بأنه «ينبغي للعالم بحث عقوبات أشد بكثير ضد إيران مع تزايد الأدلة على انتهاكها للاتفاقات الدولية». وحذا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حذو براون، عندما أوضح أنه «إذا كانت لدينا الشجاعة لتشديد العقوبات وفرضها معاً ضد من ينتهكون قرارات مجلس الأمن، فسنضفي صدقية على التزاماتنا نحو خفض الأسلحة النووية في العالم».
وتولّت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة مهمة الردّ على الاتهامات الفرنسية والبريطانية. وجاء في بيان للبعثة أنّ «إيران ترفض بشدة الادعاءات المزيفة تماماً والفاقدة لأي أساس التي أوردها مسؤولو بريطانيا وفرنسا عن أنّ إيران تسعى لتصنيع السلاح النووي». وتابع البيان أنّ «مزاعم الرئيس الفرنسي ضد برنامج إيران النووي السلمي، هي محاولة سخيفة لإخفاء الأداء المتدني لفرنسا لجهة عدم احترام تعهداتها في مجال التسلح النووي». وأضاف: «على فرنسا أن تحترم تماماً وفوراً تعهداتها، عملاً بأحكام المادة السادسة من معاهدة حظر الانتشار النووي، بدلاً من مواصلة حياكة الأكاذيب والتحريض على الخوف».
ووصل الانزعاج إلى وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الذي أعرب عن قلق بلاده من التركيز على البرنامج النووي الإيراني من دون البرنامج الإسرائيلي عند الحديث عن منع الانتشار النووي. وقال أبو الغيط، تعليقاً على القرار الدولي الجديد وما رافقه من سجال، إنّ «ما يجعلني أشعر ببعض القلق في الموقف الأميركي هو التركيز على كوريا الشمالية وإيران عندما يتم تناول منع الانتشار من دون الإشارة إطلاقاً إلى إسرائيل».