بعد دخول رئيس أسود إلى البيت الأبيض، رأى البعض أن الولايات المتحدة أنجزت «ذروتها الديموقراطية»، وتخلصت من بذور العنصرية عبر نضال رجالات من مارتن لوثر كينغ الى باراك أوباما؛ وتشكك آخرون بـ«الإنجاز». ذلك أن الإيديولوجيا المتطرفة التي سُطّرت بالدم لا يمكن أن تضمحل، بل لا بدّ أن تنهض مجدداً ويسقط الرئيس الأسود اغتيالاً؛ وبين الطرحين أحداث وقعت تُنذر بصحوة «اليمين المتطرف»
شهيرة سلّوم
ظهر باراك أوباما الأسبوع الماضي في برنامج «ذا لايت نايت شو» على «سي بي أس»، الذي استضاف للمرة الأولى رئيساً أميركياً. سأله دايفيد ليترمان عما يشاع عن أن الاعتراض على خطته الصحية تقف وراءه أسباب «عنصرية»، عبّر عنها الرئيس الأسبق جيمي كارتر حين رأى أن اتّهام النائب الجمهوري جو ويلسون لأوباما بالكذب، خلال جلسة الكونغرس التي قدم فيها الرئيس حججه على خطته الصحية المتضمنة «الخيار العام»، سببه «العنصرية».
حملت إجابة أوباما نوعاً من المزاح. قال «أعتقد أن من المهم معرفة أنني في الواقع كنت أسود قبل الانتخابات». وتحوّل الأمر إلى فُكاهة، فردّ عليه ليترمان متسائلاً «كم مضى عليك وأنت رجل أسود؟». انتقل الرئيس بعد ذلك الى الجدية وأخذ يشرح أن ما قاله كارتر عن العنصرية يناقضه واقع أنه جرى انتخابه، مبرراً أن الاعتراض على خطته الصحية يعود إلى أنه «كلّما حاول الرئيس إجراء تغييرات محددة، ولا سيما في أوقات الأزمات الاقتصادية، تغضب فئة معينة من الشعب»، ومشيراً إلى ما حصل مع فرانكلين روزفلت وجون كينيدي ورونالد ريغان.
هذه حال أوباما مذ كان مرشحاً، يحاول دوماً التقليل من شأن المظاهر «العنصرية»، حتى إن اتُّهم بها ألد خصومه. لكن ذلك لا يُخفي ما يجري في تكساس وميتشيغين ونيوجيرسي وفلوريدا وغيرها من الولايات من جرائم وأحداث تجري لدوافع «عنصرية»، ولا يُخفي ما جرى ويجري في الشارع خلال التظاهرات، وآخرها تلك المعترضة على الخطة الصحية لأوباما، أكان في الصيحات المتعالية أم في اللافتات التي تصف أوباما بالنازي والماركسي معاً! وتتهمه بالسعي لتحويل البلاد الى يسارية. ولا يُخفي أيضاً عمل حركات الميليشيات داخل الأدغال وعلى الحدود استعداداً «للعاصفة»، التي تحدث عنها أكثر من تقرير، ورصده مكتب التحقيقات الاتحادي «أف بي آي»، الذي شن حملة على العنصريين البيض ومجموعات اليمين المتطرّف في نيسان الماضي، هدفت الى جمع المعلومات عن هذا «التهديد المنبثق».
ويقول تقرير فيدرالي إن هناك حوالى 50 مجموعة ميليشيوية تتدرب على القتال أبصرت النور خلال العامين الماضيين، كما أن مبيعات الأسلحة ارتفعت خوفاً من قانون يفرض حظراً على السلاح كما حصل في التسعينيات. ويصف مراقب ما يجري بأنه «أكبر نمو ملحوظ لتلك الجماعات منذ أكثر من عشر سنين، كل ما ينقصه هو الشرارة، إنها مسألة وقت قبل أن تقع التهديدات والعنف».
وعناصر عودة هذا اليمين «مسلّحاً» تمثلت في الظروف الاستثنائية الآتية: أزمة اقتصادية، وسعي الحكومة الفدرالية لفرض حظر على حمل السلاح، وتورط البلاد في حروب خارجية، وانتشار الأفكار العنصرية، أمور تتشابه مع ما حصل في التسعينيات، ذروة نشاط التطرف، لكن مع فارق أخطر، رأس الحكومة الفدرالية، العدو الأول لليمين، رجل أسود.
وكانت أفكار الحركات المتطرفة قد استعادت حيويتها في بداية الثمانينيات وتحولت الى نشاط مسلح مع انتشار نظريات المؤامرة، التي يتغذى منها اليمين المتطرّف، وتدور حول الإمساك بالسلطة الفدرالية وتفكيك النظام الدستوري، مصحوبةً بالخوف من العولمة و«المؤامرة الاجتماعية المستحكمة». وتضاعف خوف العصابات العنصرية مع إعلان جورج بوش الأب، العضو السابق في المجموعة السرية «سكيل بونز»، ولادة النظام العالمي الجديد وانهيار الثنائية القطبية في نهاية حرب الخليج الثانية، النظام الذي وجدوه تهديداً لوجودهم، وتعزز الخوف أكثر مع انتخاب بيل كلينتون، الذي صدّق على اتفاقية الـ«نافتا» وحظر السلاح.
لقد عكست حركات التطرف في التسعينيات الغضب المنتشر مما يسمى تدخل الإدارة الليبرالية في واشنطن، وكانت الشرارة التي أشعلتها مع أحداث روبي ريدج لإيداهو وواكو (عام 1992 حين وقعت اشتباكات بين عائلة المتطرف راندي ويفر والسلطات الفدرالية على خلفية شراء ويفر سلاحاً غير شرعي وتطور الى مجابهة دموية)، ثم تلتها في العام التالي اشتباكات بين المدافعين عن حمل السلاح والسلطة الفدرالية استمرت 52 يوماً، وقُتل على أثرها 80 شخصاً. رأى بعدها الأميركيون أن حكومتهم مستعدة للتضحية بهم من أجل الليبرالية المتشددة أو «النظام العالمي الجديد»، وتتآمر من أجل تحويل بلادهم الى الاشتراكية، رغم تضارب التوجّهين. إلى أن نفذ اليمين ضربته الدموية في 1995 من خلال تيموثي ماكفي الذي فجر المبنى الفدرالي في أوكلاهوما سيتي وقتل أكثر من 168 شخصاً، فضلاً عن مئات الجرحى. في تلك الفترة، كان ينشط أكثر من 25 ألف عضو في اليمين المتطرف، وأعداد كبيرة من المتعاطفين معهم. وتراجعوا ليشكلوا بضعة آلاف في بداية الألفية الثانية.
ويعمل اليمين المتطرف من خلال شكلين: شكل سلمي عبر الدخول في النظام السياسي وعرض تطبيق مشاريعه التغييرية بصورة سلمية؛ وشكل مسلح، حيث يصبح أكثر تطرفاً، فينضم عناصره الى الميليشيات السرية لقتال النظام، بعضهم باع كل شيء وزوّد نفسه بمؤونة من الطعام المجفف لعام وما يكفي من السلاح استعداداً للمعركة الكبرى «يوم القيامة». ويورد تقرير حمل عنوان THE SECOND WAVE لمركز «ساوثرن بوفرتي لو» وصدر في آب الماضي أحداثاً عن عودة اليمين الى النشاط: 75 مخططاً وهجوماً عنصرياً منذ أوكلاهوما سيتي، بينها 36 عملية ما بين نيسان 1995 حتى كانون أول 1999. ومنذ حزيران 2008 (مع الحملة الانتخابية لأوباما)، سُجلت 12 عملية لليمين المتطرف.
إضافة الى المحاولات الجارية من أجل التشكيك في شرعية أوباما كرئيس بدعوى أنه ليس أميركي المولد و«يحتل المكتب البيضاوي بصورة غير شرعية» (منظمة «أميركان غراند جوري» غير الحكومية التي أصدرت إدانة بحق أوباما)، وأحداث أخرى تصب في الاتجاه نفسه؛ منها ما يجري في لكسينغتون، حيث تجمع ضباط الشرطة وعسكريون ومحاربون قدامى في 19 نيسان في إطار منظمة «أوث كيبرز» (حفظة القسم). يقول هؤلاء «قسمنا للدستور وليس للسياسيين، لن نطيع أنظمة غير دستورية».
ويقول التقرير إن هناك لاعبين جدداً استعادوا نشاطهم شأن جمعية «ناشونال ريفل أسوشياشن»، التي تضم مجموعة من صانعي الأسلحة ينظمون حملات وطنية من أجل الترويج للانضمام إلى جمعيتهم تحت عنوان «الاستعداد للعاصفة». وعلى الحدود المكسيكية، يقع مخيم فيجيلانس «كامب في»، حيث تجرى تدريبات من غياب الشمس حتى شروقها، يتوجه في خلالها قائد المعسكر إلى المشاركين فيه بالقول «كلنا يعرف أنك عندما تحشر حيواناً في الزاوية سيرد بمحاربتك... هذا بالضبط توجّه الحكومة الحالي، إنها تحشرنا بالزاوية، وسيحين وقت الرد».

ثقافة العنصرية عادت إلى السمع عبر «اللغة البيضاء الحامية»

يعمل اليمين المتطرف بطرق سلمية عبر النظام السياسي، أو ملسحة عبر الميليشيات
ومنذ انتخاب أوباما في تشرين الثاني 2008، سُجلت حوادث عنصرية كثيرة، بينها: رجل غاضب جداً من انتخاب أوباما حاول بناء قنبلة إشعاعية قذرة، وآخر خطّط في ماين لاغتيال الرئيس، كما فعل اثنان من حليقي الرؤوس في تينيسي. غاضب من الانتخابات أعرب عن رغبته في الانضمام الى ميليشيا وقتل نائبي رئيس شرطة فلوريدا. متطرف يخشى اليهود قتل 3 ضباط. وهناك من قتل مهاجرين أفارقة وخطط لقتل ما استطاع من اليهود. هؤلاء مواطنون أميركيون يعتنقون ايديولوجية بُعثت في الثمانينيات وتقوم على سموّ الجنس الأبيض الذي يجب أن يخضع «للقانون الطبيعي» لا للحكومة. وهي تعتبر السود مواطنين يخضعون للتعديل 14 (الذي تمّ تبنّيه بعد الحرب الأهلية عام 1868 ويُعرف بالمواطنة ويستثني العبيد من الحقوق الدستورية) وعليهم أن «يطيعوا أسيادهم البيض في الحكومة».
ويؤكد THE SECOND WAVE أن انتخاب رئيس أميركي أفريقي شكّل عاملاً عنصرياً لتجييش ميليشيات اليمين المتطرف، وأن ثقافة الميليشيا عادت الى السمع، واستحضرت نظرياتها. هذا ما نشهده من خلال اللغة «البيضاء الحامية» التي تنشط بقوة في شرائط الفيديو التي تصوّر تدريبات الميليشيات وتعرض على موقع «يو تيوب». مؤشرات أخرى لصحوة اليمين تظهر أولئك «الوطنيين» الذين رفضوا دفع الضرائب بحجج «المواطنية والدستورية والسيادية».
والظاهر في الحركات المناوئة للحكومة في الوقت الحالي أنها تلقى دعماً من مسؤولين منتخبين (حاكم تكساس ريك بيري أطلق توجهاً انفصالياً لأشهر بعد انتخاب أوباما، وهو أمر ظهر للمرة الأولى في التسعينيات. الجمهورية ميشيل باتشمان أعربت عن خوفها من أن الرئيس يخطط لإقامة مخيمات إعادة تثقيف للشباب) وإعلاميين (غلين بك في «فوكس نيوز» الذي نعتَ أوباما بالماركسي والنازي والفاشي، ولو دوبس، على «سي أن أن»، الذي طرح مسألة التشكيك في مولد أوباما الأميركي، وبات باتشانان على «أم أس أن بي سي» صاحب النظرية القائلة بأن البيض يعانون حالياً ما عاناه السود في الماضي).


هل يجب قتل أوباما؟

أوقف موقع «فايسبوك» الإلكتروني الاجتماعي أحد التطبيقات التي تسمح للمستخدمين بابتكار استطلاعات للرأي، بعد ظهور استطلاع يسأل ما إذا كان يجب قتل الرئيس الأميركي باراك أوباما.
ونقلت شبكة «سي أن أن» التلفزيونية عن المتحدث باسم موقع «فايسبوك»، باري شنيت، قوله «أرسل لنا جهاز أمن الرئيس بريداً إلكترونياً طلب منا فيه إزالته (التطبيق) وكنا قد أزلناه قبل ذلك، وأعلمناهم بالموضوع». وأشار إلى أن الاستطلاع كان عاماً، بحيث كان ممكناً لجميع المستخدمين أن يشاركوا فيه، وطرح سؤال عمّا إذا كان يجب قتل أوباما، وقُدمت 4 إجابات محتملة: نعم، ربما، إذا قلّص رعايتي الصحية، ولا.
وقال متحدث باسم جهاز أمن الرئيس إنه جرى فتح تحقيق في الحادث.
(يو بي آي)