لا يمكن سوريا ولا فرنسا أن تحلّ محل اللبنانيين». «لا مطالب فرنسية من سوريا بشأن لبنان». تأكيدات لوزير خارجية سوريا وليد المعلم خلال زيارته الباريسية، التي تخللتها مواقف تؤكد التحالف مع إيران وأولوية المسار الفلسطيني، وتحذير من غدر إسرائيلي
باريس ــ بسام الطيارة
أجمع المراقبون على أنّ زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لباريس قد تميزت بـ«نمط تصاعدي» من حيث الشكل والمضمون؛ فبعدما التقى نظيره الفرنسي برنار كوشنير، وتجادل معه أمام الصحافة العالمية في ما إذا كانت الاتفاقيات الدولية تخضع لإملاءات سياسية، وتوافقا على أن العلاقات الثنائية بين بلديهما باتت «استثنائية»، واتفقا على الاختلاف بشأن الملف الإيراني وعلى ضرورة أن يكون للبنان حكومة وحدة وطنية، كان يوم أمس موعداً للقاء المعلم والرئيس نيكولا ساركوزي. اجتماع لم يرشح منه الكثير، بينما فضّل الضيف السوري الكلام العلني أمام الأكاديمية الدبلوماسية الدولية، حيث ألقى محاضرة عنوانها «العلاقات بين سوريا وفرنسا: آفاق وانعكاسات إقليمية».
ويختصر عنوان هذا اللقاء «الأكاديمي» مع نخبة من الدبلوماسيين والإعلاميين، «واقع حال العلاقات» بين باريس ودمشق، وسعي العاصمتين إلى تعزيز التقارب المتصاعد بينهما منذ إعلان ساركوزي مبدأ «القطيعة» مع سياسة سلفه جاك شيراك الذي «حشر سوريا في مربع الاتهامات والحصار الدولي».
واحتلّت «القطيعة» مطلع مداخلة المعلم، الذي أعاد تسلسل «عودة العلاقات»، مشدّداً على «تصميم ساركوزي» الذي «اتخذ قراراً شجاعاً» عبر نقل العلاقات من مرحلة المواجهة إلى التعايش، ومنها إلى «التحالف» إذا أخذنا في الاعتبار «لائحة المصالح المشتركة» التي عدّدها الوزير السوري من العراق إلى لبنان مروراً بعملية السلام. ورأى المعلم أنّ هذا التقارب السوري ـــــ الفرنسي قد فتح ثغرة في «جدار العزلة الذي بناه (الرئيس الأميركي السابق) جورج بوش حول سوريا، ولحقت به أوروبا وبعض الدول العربية».
ورداً على سؤال، جزم المعلم بأنّ ما قاله بعد لقائه نظيره الفرنسي أول من أمس، عن عدم فشل مبادرة الرئيس الأميركي باراك أوباما، لم يكن زلّة لسان كما ذهبت إليه بعض الصحف، لافتاً إلى أن «استمرار الاستيطان في الأراضي المحتلة لن يُبقي شيئاً يُفاوض عليه الفلسطينيون». ووصف رئيس الدبلوماسية السورية إصرار أوباما في ما يتعلق بمسألة الاستيطان المخالف للقانون الدولي، بأنه «صحوة ضمير» أميركية.
وبعدما حمّل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مسؤولية إخفاق عملية التسوية، ذكّر المعلم بوجود «أدوات ضغط لم تُستعمَل» بعد لوقف الاستيطان. وفي نقد غير مباشر للقمة الثلاثية التي جمع فيها أوباما كلاً من الرئيس محمود عباس ونتنياهو في نيويورك الأسبوع الماضي رغم عدم توقف البناء الاستيطاني، تساءل المعلم: «إذا لم ينجح أوباما في إقناع نتنياهو، فهل ينجح عباس في ذلك؟». وجدّد تحذيره من أن «استئناف مفاوضات سلام فاشلة، سيكون له انعكاسات خطيرة على المنطقة».
ثم تطرّق الضيف السوري إلى مجمل مباحثاته التي أجراها في نيويورك، كاشفاً عن أنه التقى كلاً من المسؤولين الأميركيين جيفري فيلتمان ووليم بيرنز لاستئناف مسار تطبيع العلاقات الأميركية ـــــ السورية. واستدرك قائلاً إنّ دمشق لا ترغب بالدخول «في سباق مسارات»، إذ إنّ الأولوية الحالية بالنسبة إلى واشنطن هي المسار الفلسطيني، وبالتالي لم يكن المحور السوري على طاولة

دمشق لا ترغب بالدخول في سباق مسارات، وأولوية واشنطن هي المسار الفلسطيني

البحث مع الدبلوماسيين الأميركيين. وعن الشق المتعلق بالمسار السوري ـــــ الإسرائيلي في عملية السلام في الشرق الأوسط، جدّد المعلم تأكيد جهوزية بلاده للعودة «عبر الوسيط التركي» لاستئناف «محادثات السلام من حيث توقفت في عهد حكومة (إيهود) أولمرت» لتنصبّ على توصيف خط الرابع من حزيران ١٩٦٧.
ورداً على سؤال لـ«الأخبار» عن الملف اللبناني وارتباط عقدة حكومته بمحورية الدورين السوري والفرنسي فيها، وما إذا كانت مباحثاته مع ساركوزي والمسؤولين الفرنسيين قد شملت هذا الموضوع، اعترف المعلم بأن «ملف تأليف الحكومة كان من ضمن المواضيع التي نُوقشت»، مطمئناً إلى أن كلاً من دمشق وباريس تتطلعان إلى أن يتمتع لبنان بحكومة وفاق وطني. ولم ينسَ التحذير من أنه «لا سوريا ولا فرنسا تستطيعان أن تحلا محل اللبنانيين». وعن الأهمية التي يحتلها الملف اللبناني في الدوائر الباريسية والدمشقية، قال: «لا نستطيع أن نخفي اهتمام فرنسا باستقرار لبنان لأسباب عديدة، ولا اهتمام سوريا بلبنان بحكم الجغرافيا والتاريخ». وشدد المعلم، رداً على سؤال لـ«الأخبار»، على أنه «لا مطالب فرنسية من سوريا بشأن لبنان». وشدّد المعلم على أن سوريا «بلد عربي يفتخر بالعروبة»، معيداً إلى ذاكرة المستمعين صورة «العلاقات الوثيقة التي تربطها بدول الخليج».
وفي تبريره لمتانة العلاقات السورية ـــــ الإيرانية، جزم المعلم بأن المعيار السوري في السياسة الخارجية يتحدّد «بحسب مواقف هذه الدول من الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي». وذكّر العالم كيف أن إيران عزّزت علاقتها مع دمشق «حين قرر بوش محاصرة سوريا». وفيما طالب المعلم طهران بطمأنة دول الخليج إلى أن برنامجها النووي هو ذو أهداف مدنية، ردّ على سؤال عن موقف سوريا «إذا هوجمت إيران وردت بضرب بعض مناطق الخليج»، فكرّر موقف بلاده الذي يرى أنّ «أمن الخليج خط أحمر»، وأن «سوريا تعارض أي توجه عسكري لحل الخلاف». وختم محاضرته بالتنبيه إلى إمكان أن «تأتي الضربة من إسرائيل» إذا أراد نتنياهو التهرب من استحقاقات السلام.