سقطت الرئيسة الفيليبينية السابقة، كورازون أكينو، عن عرش الفيليبين النضالي، بعدما اختار الموت أن يجمعها مجدداً بزوجها ورفيق دربها السياسي بنينو أكينو
ربى أبو عمو
بدت مانيلا خلال اليومين الماضيين أكثر اصفراراً من المعتاد. طَبَعَ الأصفر المدينة بالحزن بعدما جلب لها الحرية من الديكتاتور فرديناند ماركوس (الرئيس الفليبيني الأسبق). اليوم، تسطع العاصمة الفليبينية بلون الشمس. تملأ الشوارع صور الرئيسة الفليبينية السابقة كورازون أكينو. هو أحد أساليب الشعب في التعبير عن حزنه ووفائه لزعيمة ماتت ليل الجمعة الماضي بعد معاناة مع مرض سرطان الكولون. وهي التي عرفت كيف تكسر حاجز الطبقية السياسية بينها وبين مواطنيها. هكذا، يحاول الفليبينيون ردّ الجميل لامرأة انتشلتهم من عبق الظلم. عرفت «كوري»، كما تلقّب، كيف تستخدم سايكولوجيا الألوان في إثارة شعبها حتى وفاتها. ففي السبعينيات، أطلقت شعارها: «أربط شريطاً أصفر حول شجرة البلوط». شعارٌ قصدت الوصول من خلاله إلى الحرية. هكذا، أدركت أن «الأصفر يمثل التراب، وهي مرحلة بداية هبوط الطاقة»، أي الأمل. وها هي تستعد للنزول إلى التراب بثوب أصفر.
كوري، صاحبة الابتسامة الدافئة والصارمة في آن، عُدّت إحدى أبرز شخصيات المعارضة الديموقراطية الفيليبينية، فعرفت كيف تسحر قادة دول المنطقة. من ربة منزل إلى ربة الفيليبين. انتقلت من العبث بمعدات بسيطة، إلى أخرى أكثر فتكاً، لتقتحم السياسة رغماً عنها في 21 آب من عام 1983، يوم اغتيال زوجها المعارض بنينو أكينو.
ولدت كوري في 25 كانون الثاني من عام 1933 في مانيلا، حيث نشأت في مدرسة دينية، ثم حصلت على شهادة في الرياضيات واللغة الفرنسية من معهد «مونت سانت فنسنت» في نيويورك في الولايات المتحدة. عادت إلى مانيلا حيث درست الحقوق عام 1954، وتزوجت في العام نفسه من بنينو، المنحدر من عائلة كبيرة، واكتسب شهرة من خلال مقالاته الصحافية خلال الحرب الكورية.
تحوّلت كوري إلى ربة عائلة في عام 1972، بعدما فرض ماركوس القانون العرفي واعتقل أكبر خصومه، بنينو، لمنعه من الفوز بالرئاسة. وحُكِمَ عليه بالإعدام للاشتباه في صلاته بمتمردين شيوعيين، قبل أن يتدخل الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، فتنقل العائلة إلى الولايات المتحدة، وتعيش في المنفى.
أسهمت سنوات المنفى هذه في تغيير بنينو وزوجته. فهذه المرأة الكاثوليكية المتدينة، التي كانت تهوى العناية بالبساتين قبل دخولها الساحة السياسية، لطالما كرّست وقتها للاعتناء بأبنائها الخمسة. حتى إنها اعتادت تقديم القهوة والحلوى لأصدقاء زوجها، الذي كانت لديه طموحات كبيرة.
بعد ثلاث سنوات من المنفى، قرر أكينو العودة إلى بلاده، إلّا أنه اغتيل لدى وصوله إلى مطار مانيلا. تولّت كوري السلطة في 25 شباط من عام 1986، عقب انتفاضة شعبية دامت أياماً، وانضم إليها قسم من الجيش بعد فوز ماركوس في انتخابات شابتها عمليات تزوير. هكذا، حققت كوري لقب أول امرأة تتولى مسؤولية رئاسة دولة في آسيا. ورغم فشلها في تغيير النظام السياسي الذي تطغى عليه نخبة من العائلات الكبيرة، إلا أنها أعادت صياغة دستور البلاد، وأفرجت عن كل المعتقلين السياسيين منذ عهد ماركوس، كما بدأت محادثات سلام مع مختلف حركات التمرد.
وشهدت رئاستها ما لا يقل عن ست محاولات انقلابية عسكرية واضطرابات سياسية. وبعد انتهاء ولايتها عام 1992، ظلت ناشطة في احتجاجات الشارع لإدانة فساد الحكومة حتى مرضها في آذار الماضي. وقفت في صفوف الكنيسة خلال حركة الاحتجاج السلمية المدعومة من الجيش بهدف إسقاط الرئيس جوزف استرادا، الذي استشرى الفساد في عهده. إلا أنها تصالحت معه قبيل وفاتها وسمحت له بزيارتها الأسبوع الماضي. وقال استرادا «كانت امرأة تتسم بالقوة والرقة»، مؤكداً أن «الشعب فقد اليوم أماً».
تدفن كوري في مقبرة خاصة مع زوجها بنينو بعد غد. ربما هي محاولة من العائلة للحفاظ على إرث نضالي. الرئيسة الفيليبينية الراحلة كانت قد أعلنت في مقابلة مع صحيفة «فيليبين ستار» في عام 2007: «خلال سجن بنينو، وقبل أن أتولى الرئاسة، كنت أسأل نفسي دائماً: لماذا يجب علينا أن نضحي دائماً؟ نحن دائماً ضحايا».
إلا أن هذه الضحية عرفت جيداً توصيف شخصها. ففي مقابلة مع صحيفة «أن بي سي» الأميركية عام 1987، قالت «حين أكون مع عدد قليل من الأصدقاء المقرّبين، أقول لهم: حسناً، لا تحبوني. أنظروا إلى البدائل، فأسكتهم».