ربى أبو عمّوأن تُكتب القصص يعني أن تدخل في مضمار التاريخ الحديث اليوم والقديم غداً. وغالباً ما تكون هذه الكتابة استكمالاً لكتابات سالفة كثيرة، أو مجرد مفسرة لها. إلا أن فعل الكتابة والتسجيل قد يكون لمصلحة جورجيا في حربها مع روسيا، التي تصادف ذكراها اليوم. فقد نجحت جورجيا خلال، وبعد، حربها على أوسيتيا الجنوبية في 5 آب من العام الماضي، في إظهار صورة الدولة الروسية العدوانية، التي شردت العائلات الجورجية القاطنة على الحدود مع أوسيتيا الجنوبية، حتى بدت روسيا كأنها دخلت في حرب لا تخصّها، رغم أن تبيليسي هي من شنّ العدوان على أوسيتيا. وتجلّت ثمار هذا النجاح في تبنّي الإعلام الغربي وجهة النظر الجورجية.
وبعد خمسة أيام، انتهت الحرب، واعترفت روسيا باستقلال الإقليمين الانفصاليين عن جورجيا، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. تسلسل حاولت جورجيا استغلاله لمصلحتها، فبدت كضحية انتُزعت امتيازاتها، هي التي لا تتعدى أقصى أمنياتها أن تتحول إلى دولة أوروبية الطقوس، والانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي. وما ساعد على تكريس هذه النظرة، كان اصطفاف الولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية إلى جانب الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي. ما اختلف اليوم، في الذكرى الأولى لهذه الحرب، هو عنصر واحد: الرئيس الأميركي. فالديموقراطي باراك أوباما خلف الجمهوري جورج بوش، وطرح التغيير وسياسة الانفتاح، لكن من دون أن ينزع فتيل الأزمة في المنطقة. فقد حفلت الأيام الماضية بسلسة تهديدات نارية، في ما يأتي عرض لأبرزها:
ـــــ أعلنت أوسيتيا الجنوبية أن قرية أوتريف القريبة من العاصمة تسخنفالي تعرضت للقصف على أيدي قوات جورجية، انطلاقاً من مناطق حدودية. كذلك قال الرئيس الأوسيتي الجنوبي ادوار كوكويتي إن الجيش الروسي سيجري مناورات «وقائية» في الجمهورية الانفصالية.
ـــــ قالت وزارة الخارجية الجورجية إن ثلاثة صواريخ أطلقت من أوسيتيا الجنوبية على قرية جورجية، واتهمت العسكريين الروس بالتوغل في أراضي جورجيا لتوسيع «حدود» أوسيتيا الجنوبية.
ـــــ اتهمت روسيا جورجيا بالقيام بـ«استفزازات»، متوعدة بعمل كل يلزم «للتصدي للنزعة الانتقامية» لتبيليسي، والتصدي بحزم لنزعاتها الانتقامية.
ـــــ خلال زيارة أوباما إلى موسكو، الشهر الماضي، مفتتحاً صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، لم يغفل الملف الجورجي، فدعا روسيا إلى احترام سيادة جورجيا ووحدة أراضيها، ودافع عن حقها في الانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي. أما نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، فأكد خلال زيارته تبيليسي، قبل أيام، دعم الولايات المتحدة لجورجيا.
هذه مجرد عينة من التصريحات المتنقلة بين الثلاثي الأميركي والروسي والجورجي، إلا أنها تعود بالذاكرة إلى الأيام التي تلت الحرب الجورجية ـــــ الروسية. حتى إن تصريحات الإدارة الأميركية ما بعد بوش، حيال هذا الملف، لم تختلف كثيراً عن عهد بوش، ما عدا الأسلوب الذي انتقل من جليد غير قابل للكسر، إلى آخر قابلٍ له.
إلا أن الموقف الأميركي، ومن خلفه الأوروبي، نجح في الترويج لنظرية «جورجيا الضحيّة» في إعلامه، ولم تفلح مقاربة الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف للحرب وتشبيهه لها بأحداث 11 أيلول، على اعتبار أنها «11 أيلول جديد»، في تقريب المسافة مع الولايات المتحدة، وتعديل الكفّة الإعلاميّة الراجحة لمصلحة جورجيا، التي رغم هزيمتها القاسية عسكرياً، يبدو أنها نجحت إعلاميّاً.