طُويَت صفحة التوتر الروسي ـــــ التركي، أمس، بأفضل الطرق: توقيع رئيسَي حكومتي البلدين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان 20 اتفاقاً في أنقرة، أهمها مشروع «ساوث ستريم» النفطي، أو «بديل نابوكو». نبأ سيّئ لا شكّ بالنسبة إلى الأمن النفطي الأوروبي
حقّقت روسيا هدفها من زيارة رئيس حكومتها فلاديمير بوتين أمس لأنقرة، حيث نالت موافقة السلطات التركية على بدء أعمال الاستكشاف لإنشاء خط الأنابيب النفطية «ساوث ستريم»، المقرَّر أن يربط روسيا بأوروبا وأجزاء من آسيا عبر المياه الإقليمية التركية في البحر الأسود، من دون المرور بأوكرانيا.
وقال رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي، إنه «انسجاماً مع روح علاقاتنا الثنائية، فقد أعطينا الإذن لروسيا لإجراء أعمال المسح الضرورية لإنجاز مشروع ساوث ستريم». وأوضح أن هذه الموافقة تأتي في إطار اتفاق بشأن التعاون في مجال الغاز الطبيعي وقّعه الرئيسان.
بدوره، اعترف بوتين بأنّ «ساوث ستريم» هو بديل لخط أنابيب «نابوكو» وليس «منافساً له»، مطمئناً إلى أنّ المشروع سيكون «حيوياً بالنسبة إلى الأوروبيين من ناحية أمنهم النفطي».
ويقوم المشروع الروسي النفطي الجديد، الذي ينظر الأوروبيون إليه بقلق شديد، على مدّ أنابيب موازية لـ«بلو ستريم»، لا تمر بأوكرانيا بل بالمياه الإقليمية التركية لتغذية أوروبا وتركيا وإسرائيل بالغاز الروسي الطبيعي. وظهر في الفترة الأخيرة خلاف روسي ـــــ تركي على هذا المشروع؛ فأنقرة كانت ترحّب بـ«ساوث ستريم» بشرط تعديل مساره، لكي لا يعرّض قيمة أنابيب «نابوكو» للخطر، وهو الذي وُقِّع في أنقرة في 13 تموز الماضي، لينقل نفط الشرق الأوسط وبحر قزوين ووسط آسيا إلى أوروبا عبر تركيا للتخلص من «التبعية» الأوروبية إزاء النفط الروسي. وظلت أنقرة تقترح، بديلاً من ذلك، أن تكتفي روسيا بأن تصل أنابيبها، بعد تركيا وإسرائيل، إلى الهند.
وقبل زيارة بوتين، سبق لوفد روسي موسَّع، ضمّ اقتصاديين، أن زار العاصمة التركية وأعدّ لنحو 20 مسودة اتفاق وقّعها بوتين وأردوغان أمس، بوجود رئيس الحكومة الإيطالي سيلفيو برلوسكوني، الذي بدا أشبه بمندوب لشركة «إيني» الإيطالية، التي ستشارك العملاق النفطي الروسي «غازبروم» أعمال بناء «ساوث ستريم».
ومن المصاعب التي لا شك في أنها تخللت مفاوضات بوتين في تركيا، ما دار حول تجديد عقد شراء تركيا 6 ملايين متر مكعب من الغاز الروسي الطبيعي عبر أنابيب «بلو ستريم»، التي تعبر من روسيا إلى البحر الأسود فأوكرانيا وبلغاريا ورومانيا، بموجب اتفاق تنتهي مفاعيله في عام 2011.
إذاً، يتّخذ مشروع «جنوب الدفق الأزرق»، أو «بلو ستريم 2» أو «ساوث ستريم»، طابعين أساسيين: أولاً، هو بمثابة ردّ روسي قوي على مشروع «نابوكو» بما يذكّر بأجواء الحرب الباردة، لكن على صعيد نفطي فقط. والثاني، يترجم شقّاً مهمّاً من صراع نفطي «ناعم» بين روسيا وتركيا، أو بكلام آخر، بين أهم مزوّد نفطي لأوروبا وأهم طريق نفطي إلى القارة العجوز.
ووضع محللون أتراك زيارة بوتين في إطار تتويج الزيارات المتبادلة الرفيعة المستوى التي قام بها مسؤولو البلدين لإزالة الذكريات السيئة التي طبعت العلاقات الثنائية في الفترة الأخيرة، وتحديداً خلال الحرب الروسية ـــــ الجورجية التي انطلقت في مثل هذا اليوم من شهر آب في العام الماضي.
(الأخبار)