40 عاماً من القتال الطائفي يوصل إلى حكم ذاتيحبيب إلياس
يتركز مسلمو الفيليبين أو المورو، في الجنوب في جزر ميندناو وسولو، حيث تمثّل مناطقهم أكثر بقليل من ثلث مساحة البلاد، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية، ولا سيما الغاز والنفط. بدأت المشكلة بعدما وطّنت الحكومة الفيليبينية الآلاف من المسيحيين في مناطق الجنوب المسلم، ما أدى إلى تحوّل المسلمين فيه إلى أقلية تمثّل نحو 20 في المئة من السكان، بعدما كانوا يمثلون 98 في المئة بداية القرن العشرين. هذا إضافة إلى فقدان عدد كبير من المسلمين لأراضيهم نتيجة لقانون صدر عام 1936 تملكت الدولة بموجبه أراضي المسلمين ثم وزعتها على المستوطنين. وهكذا، بعدما كان المسلمون يمتلكون كل أراضي ميندناوأ أصبحوا اليوم ينتشرون على 17 في المئة فقط من أراضي أجدادهم.
هذا الغبن الذي لحق بأبناء المنطقة دفعهم نحو الانتفاض على حكومة مانيلا والمطالبة باستقلال مورو، فكان تأسيس «المقاومة» عام 1968.
ضمّت المقاومة تياراً وطنياً برئاسة نور ميسواري، وتياراً ذا توجه إسلامي برئاسة سلامات هاشم، المتخرج من كلية أصول الدين في جامعة الأزهر.
وفي عام 1972 كوّن التياران «الجبهة الوطنية لتحرير مورو»، برئاسة ميسواري الذي وافق على مطلب التيار الإسلامي بتطبيق مبادئ الإسلام، لكن ما لبث الإسلاميون عام 1977 أن انفصلوا وأسسوا «جبهة تحرير مورو الإسلامية»، بزعامة هاشم. والسبب الرئيسي في الخلاف تمثّل بتوقيع الجبهة الوطنية اتفاقاً لم يُنَفَّذ مع الحكومة الفيليبينية عام 1976 نص على حكم ذاتي للمسلمين في 13 منطقة من أصل 15 منطقة، والتخلي عن تطبيق مبادئ الإسلام.
واستمرت الجبهة الوطنية بعد ذلك في نهج التفاوض مع الحكومة للوصول إلى اتفاقية حكم ذاتي، فيما سلكت الجبهة الإسلامية سبيل الكفاح المسلح ضد الجيش الفيليبيني والمطالبة بالاستقلال التام.
ووقّعت الجبهة الوطنية عام 1996 اتفاق طرابلس الثاني مع الحكومة الفيليبينية، نتجت منه إقامة منطقة حكم ذاتي في أربع من أصل 13 مقاطعة جنوبية، وتولي نوري ميسواري منصب حاكم منطقة الحكم الذاتي في ميندناو، إلا أنه لم يُطَبَّق كاملاً ما نص عليه هذا الاتفاق، وهو لم يرضِ عدداً كبيراً من المورويين، وفي مقدمتهم الجبهة الإسلامية، بسبب عدم شموله لجميع المقاطعات الإسلامية.
وفي عام 2001 عزلت الجبهة الوطنية ميسواري عن رئاستها لعدم رضاها عن أدائه، وأعقب ذلك انقلاب نور ميسواري على العملية السلمية وقيادته مجموعة من المنشقين عن الجبهة الوطنية نفذت عمليات ضد الجيش الفيليبيني. وعقب ملاحقته، فر ميسواري إلى ماليزيا التي لم تلبث أن سلمته إلى الفيليبين، حيث حكم عليه بالسجن.
أما على جبهة الإسلاميين، فقد حدث التغيير في توجهاتها منذ عام 1997، حين دخلت في مفاوضات سرية مع الحكومة الفيليبينية، إلا أن هذه المفاوضات لم تؤدّ إلى شيء في فترة حكم الرئيس جوزف استرادا، وانتهت بحملة عسكرية واسعة شنها الجيش الفيليبيني عام 2000 على معاقل الجبهة. وفي عام 2003، فقدت الجبهة مؤسسها التاريخي سلامات هاشم، وتولى قيادة الجبهة منذ ذلك الحين الحاج مراد إبراهيم.
وكان سلامات قد أصدر قبل فترة وجيزة من وفاته بياناً أكد فيه التزام الجبهة الإسلامية الوصول إلى تسوية سلمية، واستمر هذا التوجه في عهد سلفه، حيث بدأت الجبهة تركز على الخطاب الدبلوماسي السياسي، بعدما كان التركيز منصبّاً في السابق على التعبوية الجهادية.
واتفق توجه الجبهة الإسلامية هذا مع سعي رئيسة الفيليبين غلوريا أرويو، التي تولت الرئاسة عام 2001، إلى توصل إلى حل نهائي لمشكلة المورو، وأدى هذا إلى إطلاق عملية تفاوض جادة بداية من عام 2005 بوساطة من منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تعترف بالجبهة الإسلامية ممثلاً لمسلمي الفيليبين.
وانتهت المفاوضات إلى التوقيع بالأحرف الأولى عام 2008 على اتفاقية لتوسيع المناطق التي يحكمها المسلمون، ومنح القادة السياسيين المسلمين الحق في الحصول على الريع المستفاد من الموارد الغنية للمنطقة، وحق جباية الضرائب، وحق التمثيل الخارجي في القضايا التي تخص المسلمين، على أن تبقى الأمور السيادية الأخرى بيد الحكومة المركزية، في مقابل إعلان الجبهة استعدادها للتخلي عن مطالبتها بدولة إسلامية مستقلة.
وكان من المقرر التوقيع على الاتفاقية في كوالالمبور في الخامس من آب 2008، إلا أن عدداً من السياسيين المسيحيين من جنوب الفيليبين قدموا اعتراضاً على الاتفاق لدى المحكمة العليا، ما أدى إلى إصدارها أمراً بتوقيف الاتفاق مؤقتاً قبل يوم واحد فقط من التاريخ المزمع لتوقيع الاتفاق. وفي تشرين الأول 2008 أصدرت المحكمة العليا حكماً يقضي بأن الاتفاق غير دستوري، الأمر الذي دفع الحكومة الفيليبينية إلى العمل على تعديل الدستور بما يتلاقى مع الاتفاقية المزمع توقيعها.
وشهد الأسبوع الماضي انفراجاً في العملية السلمية بعد إعلان الحكومة والجبهة وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات. تطورات تتزامن مع بدء أرويو، أمس، زيارة للولايات المتحدة، سيكون موضوع الجنوب في مقدمة جدول أعمالها، ولا سيما أن المسؤولين الأميركيين يضغطون لإعادة إطلاق عملية السلام، في ظل شبهة وجود روابط بين جبهة تحرير مورو الإسلامية والجماعة الإسلامية، وتأثير ذلك على الحرب الأميركية على الجماعة المرتبطة بـ«القاعدة»، التي تعتبر هذه المنطقة مركزها الرئيسي في منطقة جنوب شرق آسيا.


«أبو سيّاف»