إهمال دولي للنزاع الأكثر دمويّة منذ الحرب الحرب العالميّة الثانيّةشهيرة سلّوم
مثّلت جمهورية الكونغو الديموقراطية، أو ما يعرف بكونغو ـــــ كنشاسا، إحدى المحطات التي استوقفت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في جولتها الأفريقية. حزنت على العنف الجنسي الذي تعانيه المرأة، عبّرت عن مشاعرها بالقول إن «ما يحصل فظيع ومرعب»، إنه «وصمة عار»، ودعت الشباب إلى التظاهر والضغط على الحكومة. وذهبت إلى غوما الشرقية كي تواسي ضحايا الاعتداءات على أن «تلتقي الرئيس جوزيف كيباكا كي تضغط عليه من أجل ملاحقة المجرمين». وأعلنت أنها ستدعم منظمة «هيومن رايتس ووتش» التي كانت قد طالبت مجلس الأمن بالتدخل وفرض عقوبات على الأفراد والحكومات المتورطين في الاعتداءات، بعد فشل الحكومة الكونغولية في وقفها.
وما حصل من جرائم في الكونغو، الغائبة عن ذاكرة المجتمع والإعلام والرأي العام الدوليين، يستدعي أكثر من غصة حزن؛ فقد دار فيها نزاع عرقي دموي هو الأفظع في تاريخ البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، ذهب ضحيته أكثر من 4 ملايين بشري. ورغم إقرار السلام في 2002، لا تزال الجبهة الشرقية مشتعلة، وبأبشع صورة من صور الحرب، حيث تشارك فيها ميليشيات غير منظمة تتخذ من الحرب عملاً لها فتقوم بالسرقة والنهب والاغتصاب والتهجير والإبادة، وتموّلها التجارة غير الشرعية بالماس والذهب والغاز والنحاس والزنك والرصاص الموجود في الكونغو. وقد دفع استمرار القتال السكان إلى الفرار، حيث بلغت نسبة النازحين في مقاطعة كيفو الشمالية وحدها 750 ألفاً، إضافةً إلى موت 1000 شخص يومياً، بحسب الأمم المتحدة.

4 ملايين قتيل وملايين النازحين وتجّار الماس والذهب والغاز يموّلون الميليشيات
لعنة الجمهورية، التي تغير اسمها 4 مرات، وعُرفت يوماً بزائير (ما بين 1971 و1997)، أنها تقع بين جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وأوغندا ورواندا وبوروندي وزامبيا وأنغولا وخليج غينيا. وجميعها دول تتآكلها النزاعات الداخلية، العرقية والطائفية، والحدودية. وقد مثّلت أراضيها ملجأً لسكان تلك الدول، ما أسهم في إشعال الكونغو.
وقد بدأت حرب الكونغو الأولى عام 1996 وانتهت بعد عام بإطاحة الرئيس جوزيف موبوتو. الوضع السياسي الداخلي في هذه الفترة كان متأزماً بعدما ظهرت معارضة قوية ضدّ موبوتو، الذي سمح لإقليم كنشاسا بالسيطرة داخل الحكم، فبدأت أقليات إثنية ومناطقية تطالب بالإصلاح، وبينهم كان لورون كابيلا من إثنية كانتانجيس. يضاف إلى ذلك ما عُرف بأزمة لاجئي «البحيرات الكبيرة» المتدفقة من رواندا، حيث تصارعت إثنيتا التوتسي والهوتو، وتدخّل موبوتو فيها ليدعم الهوتو.
وما لبثت بعدها أن ظهرت حركات تمرّد جديدة. وعندما طلب نائب حاكم مقاطعة كيفو في تشرين الثاني 1996 من «باني أميولنج» (مجموعة من التوستي تتمركز جنوب كيفو على الحدود بين الكونغو ورواندا وبوروندي) ترك زائير (الكونغو) تحولوا إلى التمرد. فانضمت الحركات المعارضة إلى كابيلا لإنشاء «تحالف القوات الديموقراطية» مدعومة من قادة دول منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية، تحديداً من رواندا وأوغندا، وتقدمت قوات كابيلا، معظمها من التوتسي إلى العاصمة وسيطرت على 25 في المئة من البلاد، فاستسلمت الحكومة وأُجبر موبوتو على الفرار إلى الجزائر.
تسلّم كابيلا الرئاسة، ولكن ما لبث أن تغيّر حظه، حين أصبح فجأةً متهماً بالفساد والتسلط. وهجرته معظم المجموعات الديموقراطية. فما كان منه إلا أن بدأ حملة مركزية قوية ما جدد النزاع مع الأقليات في الشرق، التي طالبت بالحكم الذاتي. وانقلب على حلفائه الروانديين وأبعد كل جماعات التوتسي عن الحكومة، وأمر كل الموظفين الروانديين والأوغنديين الرسميين المعتمدين لديه بالمغادرة. ما دفع بهذه الدول إلى الانقلاب عليه ومساعدة المتمردين من «باني أمولنج» ضدّه، مشعلة بذلك حرب الكونغو الثانية أو حرب الأمم الأفريقية في آب 1998، التي استمرت حتى 2003 مع قيام الحكومة الانتقالية. كانت أكبر حرب دموية منذ الحرب العالمية الأولى، تدخلت فيها 8 دول أفريقية و25 ميليشيا مسلحة، وأدت إلى مقتل 3.8 مليون بشري ونزوح الملايين.
وخارج القارة السمراء، بقيت معظم الدول على الحياد واكتفت بالدعوة إلى وقف العنف. أما الشركات الاقتصادية الكبرى، التي تتاجر بالماس والموارد الطبيعية، ومعظمها تابع للولايات المتحدة وكندا وأوستراليا واليابان وإسرائيل، فوجدت مصلحتها في دعم حكومة كابيلا مقابل إمرار صفقات.
واغتيل كابيلا في 2001 وخلفه ابنه جوزيف، الذي التقى الرئيس الرواندي، بول كاجامي، في واشنطن وجرت بعدها الموافقة على خطة الانسحاب التي وضعتها الأمم المتحدة للقوات الأوغندية والرواندية. ثم جرى حوار داخلي انتهى بتوقيع الاتفاق الجامع والشامل (أواخر 2002) الذي تضمن تأليف حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون سنتين، لتنتهي رسمياً حرب الكونغو الثانية. لكن السلام بقي هشاً وشرق البلاد لم يهدأ، واستمر القتال بين ميليشيا المتمرد لورنت نكوندا من التوتسي، وميليشيا الماي ماي المدعومة من الحكومة والقوات الحكومية التي تحاول نزع سلاح المتمردين.