أرنست خوريكل شيء يثير المشاكل في تركيا، حتى أسماء المحافظات والمدن والبلدات و... الأنهار. شيء لا يحصل في أي مكان في العالم تقريباً، إلا في هذا البلد. مناسبة الحديث عن الموضوع، عودته إلى السجال السياسي الحامي بعدما تعمّد الرئيس عبد الله غول استخدام الاسم الأصلي الكردي لمنطقة غورويماك، «نورشين»، في محافظة بتليس الكردية التي زارها أخيراً. حينها، قامت قيامة أحزاب المعارضة، فجاءه الدعم من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان الذي نصح المنتقدين من حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية»، بمراجعة أدبيات مصطفى كمال (أتاتورك)، الذي خاطب أهالي هذه المحافظة ذات مرة برسالة قال فيها: «إلى نورشين وأهالي نورشين...».
قصة استبدال أسماء الأماكن في تركيا طويلة ومعقدة، إذ إنها سياسية بامتياز، وعادت إلى صدارة المواضيع هذه الأيام، لكونها ترتبط عضوياً بما يجري العمل عليه، وهو حلّ «القضية الكردية» المتوقَّع أن يقدّم زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، اليوم، «خريطة طريق» يعرضها على حكومة أنقرة، علّها تنهي النزاع المستعصي وتعيد للأكراد بعض حقوقهم.
وإحدى أكثر النقاط التي تعوق اندماج أكراد تركيا بالجمهورية، هو أنّ حملة، يسمّيها البعض «إبادة الذاكرة الكردية»، استهدفتهم منذ عام 1940، وامتدّت حتى عام 1982، تغيّر بموجبها 28 ألف اسم محافظة ومدينة وشارع وحيّ ونهر وشلال ومعلم سياحي وأثري، الغالبية الساحقة منها تقع في مناطق الأكراد في جنوب شرق البلاد، وفي منطقة البحر الأسود. وحالياً، تفكّر الحكومة التركية جدياً، من ضمن خطّتها الشاملة لحل الملف الكردي، بإعادة اعتماد عدد من الأسماء الكردية لمناطق ومعالم تغيّرت هويتها، ولا يزال السواد الأعظم من الأكراد يرفضون الاعتراف بأسمائها الجديدة.
وفي هذا السياق، تندرج التصريحات التي جاءت على لسان رئيس «الحركة القومية» اليمينية الفاشية، دولة بهشلي، التي توجّه فيها إلى أردوغان، وسخر فيها من احتمال إعادة العمل باسم القسطنطينية بدل إسطنبول، وبوتاميا بدل غونايسو، قائلاً: «عفواً، لكن شعبي يدرك كيف يتعلم وممَّن، وهو لن يتعلّم منكَ»، في إشارة إلى تلميحات أردوغان ووزرائه بإمكان إعادة الأسماء الأصلية التي تغيّرت في القرن الماضي.
ورغم أنّ الهدف الأساسي من حملة تغيير الأسماء، استهدفت الأكراد أساساً، إلا أنها طالت أطرافاً أخرى أيضاً، إذ اختفى أي أثر للتسميات الأرمنية أو العربية. وفي عام 2000، نشر الأكاديمي في جامعة فرات، هارون تونسل، تقريراً عن الأماكن التي تغيرت أسماؤها، مشيراً إلى أنّه في عام 1957، استحدث القانون الإداري التركي «لجنة خبراء إعادة النظر بالأسماء» أعادت النظر فعلاً بلائحة من 75 ألف اسم، وقررت تغيير 28 ألفاً منها، 12 ألفاً تعود إلى قرى كردية، والباقي لأماكن أخرى في الأناضول والبحر الأسود. وبين أعوام 1965 و1976، واصلت اللجنة عملها، وغيّرت اسم 2000 معلم طبيعي، بينها أنهار وبحيرات وشلالات. وفي عام 1982، بعد مرور سنة على أهم انقلاب عرفته تركيا، وانبثق إثره دستور «شبه عسكري» لا يزال يحكم الحياة السياسية التركية حتى أيامنا هذه، نشرت وزارة الداخلية تقريراً تحت عنوان «قُرانا»، كشف عن تغيير أسماء 280 قرية إضافية.
ويفرد تونسل أجزاءً واسعة من دراسته لتأكيد أنّ الطيف الأكبر من سكان المدن والقرى التي غُيِّرت أسماؤها، لا يزالون يرفضون «التطبيع» مع هذه الأسماء الجديدة، ومصرين على اعتماد التسميات الأصلية، لأنها «تمثّل جزءاً أساسياً من ذاكرتهم الجماعية».