حبيب الياسبعد أشهر من الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد وأدخلتها في حالة من الفوضى وخلّفت وراءها عشرات القتلى، يبدو أن الأمور في مدغشقر تتجه نحو الهدوء، مع توقيع قادة أبرز التيارات السياسية اتفاقاً بشأن فترة رئاسية انتقالية، ولكن تبقى العبرة في توزيع الحصص ضمن هذه الفترة، ومدى قدرة الأطراف على وضع المكاسب الشخصية جانباً، ليتحدد مدى إمكان استمراره.
وأفضت القمة التي امتدت على مدى أربعة أيام، برعاية الرئيس الموزمبيقي السابق يواكيم شيسانو، في التاسع من الشهر الحالي في مابوتو في الموزمبيق، إلى توقيع كلّ من الرئيس المخلوع مارك رافالومانانا المنفي إلى جنوب أفريقيا والرئيس الحالي الذي انقلب عليه اندريه راجولينا، إلى جانب الرئيسين السابقين للبلاد ديديه راتسيراكا والبرت زافي، على فترة تقاسم للسلطة تمتد على 15 شهراً حداً أقصى، يجري خلالها إجراء الانتخابات الرئاسية.
ونصّ الاتفاق في مسوّدته على تسلّم رئيس انتقالي للحكم إلى جانب رئيس وزراء وثلاثة نواب له، إضافة إلى 28 وزيراً. هذا من ناحية الحكم، أما من ناحية القضاء، فقد اتُّفق على إسقاط الأحكام القضائية الصادرة بحق كلّ من رافالومانانا وراتسيراكا، إضافة إلى عدم محاكمة الانقلابيين في حال عودة رافالومانانا إلى السلطة. ودعت الوثيقة أيضاً إلى تأليف هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، ومحكمة دستورية انتقالية، وإلى مجلس وطني للمصالحة.

عقبتا الجيش والكنيسة الكاثوليكية قد تحولان دون تطبيق الاتفاق
ويبقى دور الأفرقاء السياسيين غير واضح في المرحلة الانتقالية، إذ لم يقرر بعد من سيتسلّم الرئاسة، وكيف ستتوزع الحقائب ـــــ حتى لو كان المحلّلون يرجّحون تسلّم راجولينا سدة الرئاسة ـــــ حيث من المفترض أن تضم الحكومة ممثلين عن الأطراف الأربعة الذين وقّعوا اتفاق تقاسم السلطة وتضمن مشاركتهم في المرحلة الانتقالية. ومن المقرر أن يجتمعوا مجدداً خلال الأيام المقبلة لتوزيع الحصص، على أن تتسلّم السلطة الجديدة الحكم في أيلول.
ويرى المحللون أن الاتفاق هشّ، وأن محك قدرته على الصمود هو في بحث تفاصيل توزيع الحصص. ويشار إلى أن الاتفاق ينص على ألا يترشح أي شخص من سلطة انتقالية إلى الانتخابات الرئاسية، ما عدا رئيس الجمهورية.
ولكن إلى أي مدى يمكن ضمان تطبيق الاتفاق، وخصوصاً مع عدم وجود ممثّلين عن الجيش، الداعم الأساسي لوصول راجولينا إلى الحكم. فعقب الضغط الشعبي على الرئيس المخلوع للاستقالة، قام هذا الأخير بتسليم المسؤولية للجيش الذي بدوره سلّمها لسلطة العليا الانتقالية بقيادة راجولينا.
وكشف دبلوماسي، رفض الإفصاح عن اسمه، أن الجيش «قال إنه لن يعترف بأي اتفاق في مابوتو، وأصرّ على عدم عودة رافالومانانا».
وأعلنت القيادة العسكرية موافقتها على الاتفاق، ولكن بتحفّظ، إذ أكدت عدم موافقتها على عودة رافالومانانا إلى سدة الرئاسة. ورفضها «رفضاً قاطعاً» بنداً في الاتفاق الانتقالي، يقضي بإنشاء لجنة للبحث في شؤون الدفاع والأمن القومي. وأضاف بيان للجيش «لن يكون هناك تسامح مع أي إجراء يؤدي إلى الشقاق في صفوف القوات المسلحة، وسوف يتم اتخاذ التدابير المناسبة في هذا الشأن».
وهناك موقف الكنيسة الكاثوليكية، التي استُثنيت هي الأخرى من المناقشات، والتي تتمتع بنفوذ كبير في البلاد، ووقفت في وقت سابق إلى جانب رافالومانانا عند تسلّمه السلطة.
وفي حال تخطّي هذه النقطة، والمضي في الفترة الانتقالية، تبقى عقبة أساسية ومهمة أمام راجولينا تتمثل في صغر سنّه، إذ إن الدستور الملغاشي يحدد الحد الأدنى لعمر المرشحين بـ40 عاماً، فيما يبلغ عمره 35 عاماً. فإلى أي مدى يمكن أن يكون التعديل الدستوري مطروحاً في هذا المجال، وخصوصاً أن الحجة الرئيسية التي أشعلت الشارع أيام الاضطرابات كان على خلفية تعديل دستوري لمآرب شخصية للرئيس رافالومانانا؟
ويرى المحلّلون أن الأمور ـــــ في حال غياب القدرة على التعديل ـــــ تتجه نحو تحالف مرتقب بين راجولينا وراتسيراكا، وخصوصاً بعد ورود أخبار عن دعم الأخير له لإطاحة حكم رافالومانانا. ويشار إلى أنه بحسب العرف المتّبع في مدغشقر، التي تنقسم بين إثنيّتين رئيسيّتين الـ«كوتيه»، أو سكان منطقة المرتفعات الوسطى، التي ينتمي إليها راجولينا، والـ«ميرينا» التي ينتمي إليها راتسيراكا، إذا تسلّمت إحدى الإثنيّتين رئاسة الجمهورية، يذهب منصب رئيس مجلس الوزراء إلى الأخرى.
يبقى في نهاية الصراع النفوذ الخارجي. فمن جهة هناك النفوذ الفرنسي، حيث تحاول باريس الحفاظ على مكتسباتها في هذه المستعمرة السابقة، ويبدو أنها تميل نحو راتسيراكا الذي استضافته عقب مغادرة البلاد في عام 2002، ومن جهة أخرى هناك الوافد الجديد إلى الجزيرة المتمثّل بالولايات المتحدة، بعدما عمل رافالومانانا على إدخال اللغة الإنكليزية لغة رسمية إلى البلاد والعلاقات التجارية مع واشنطن، إضافة إلى قطع المساعدات بعد الانقلاب. وتملك الولايات المتحدة ورقة ضغط مهمة تتمثل في تجارة النسيج، حيث إنها تستورد حوالى نصف صادرات البلاد من هذه المادة، أي قرابة 300 مليون دولار.