شهدت فرنسا أمس بداية عهد جديد في «نمط استهلاك مجتمعها»، إذ بدأ مفعول القوانين الجديدة التي دفع بها الرئيس نيكولا ساركوزي نحو التنفيذ، والتي تجيز العمل نهار الأحد، وهو ما لاقى معارضة من قبل اليمين واليسار
باريس ــ بسّام الطيارة
بدأ في فرنسا، أمس، تطبيق مفاعيل قانون جديد ينص على «إمكانية العمل يوم الأحد». قانون شكل البحث فيه جدلاً كبيراً في البلاد لأسباب كثيرة ترتبط بمبدأ «عطلة الأحد»، التي يجعل منها اليمين مبدأً مقدساً لاعتبارات دينية في دولة كانت حتى سنوات قليلة ماضية تعدّ نفسها «الابنة البكر للكنيسة الكاثوليكية»، ويشدد عليه العلمانيون واليساريون على اعتبار أنه «حقّ مكتسب للعمال» وأنه إرث مهم للثورة الفرنسية وللحركات العمالية المناضلة. ورغم هذا، استطاع ساركوزي إمرار القانون بعدما ألبسه لباس «الضرورة الاقتصادية».
ويرى المراقبون أن نيكولا ساركوزي منذ وصوله إلى الإليزيه وخطى سياسته في شتى الميادين تعطي إشارات متناقضة وتذهب في اتجاهات معاكسة. ففي السياسة الخارجية كانت خطاباته الانتخابية تحمل جوانب متصلبة تجاه بعض اللاعبين الأساسيين في الشرق الأوسط ويعلن علناً تضامنه وسياسة جورج بوش في نشر الديموقراطية بالقوة، فإذا به يدشّن فور وصوله «استراتيجية القطيعة الكاملة مع سلفه جاك شيراك»، فيفتح باب التواصل مع سوريا ويعلن فور انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة «صداقته وإعجابه به».
وعلى الصعيد الداخلي، فبعدما رفع ساركوزي من تصلب ويمينية خطابه انزلق جناح اليمين المتطرف إلى جانبه وجلب له الفوز بسدة الرئاسة، فإذا به ينفتح على الاشتراكيين ويعطيهم مراكز أساسية في حكوماته المتعاقبة على حساب بعض ركائزه الانتخابية حتى داخل حزبه الحاكم. وفي السياق الاقتصادي شكلت الأزمة المالية مناسبة لانعطافة ديغولية أبعدته عن طروحات «الليبرالية المتوحشة»، وبان في واجهة مواجهة الأزمة وذيولها كأنه «بطل لضبط الأسواق والاقتصاد الموجه».
رغم هذا، فإنه سعى، ولا يزال يسعى، لوضع بعض أفكاره «القديمة» الآيلة إلى تطويع المجتمع الفرنسي حسب أنماط تفكيره التي تظل ذات نكهة يمينية ليبرالية. فقد فرض «ثورة على نظم الممارسة البرلمانية بتغيير الدستور» ليصبح أكثر رئاسياً، وفي مجال الحريات الفردية والقضاء «مرر عبر رشيدة داتي» ذات الأصول المهاجرة، مجموعة قوانين تشدد من قبضة الأمن على حياة المواطنين الفرنسيين وتُطوّع القضاء في اتجاه إخضاعه للقرارات السياسية. أما في الإعلام، فقد وضع أسس إخضاع تسمية رؤساء مجالس إدارتها بيده وجعل أقرب المقربين له في مراكز القرار الرئيسية.
وفي هذا السياق، يرى المراقبون قانون السماح بالعمل يوم الأحد، فهو يربط بين إيديولوجية ساركوزي اليمينية اقتصادياً، إلا أنه مؤشر على أن الضغوط اليمينية المرتبطة بالمجموعات الكاثوليكية لا تؤثر على قراراته السياسية. أفضل برهان هو انضمام «ممثل اليمين الرجعي» في فرنسا، رئيس منطقة الفانديه في غرب فرنسا، فيليب دوفيليه، المعروف بمواقفه المسيحية المتطرفة، إلى حزب الرئيس قبل يومين.
إلا أن هذا لم يمنع ثلاث مناطق من رفض تطبيق هذا القانون بسبب «عدم وجود تقليد العمل يوم الأحد»، وقد أعطتها المحكمة الدستورية الحق في ذلك، وهي الألزاس والموزيل في الشمال المعروف بعلمانيته، وكذلك منطقة ليون عاصمة الوسط المحافظة التقليدية المعروفة بـ«مدينة الباباوات».
ويمثل هذا التناقض في قبول قوانين ساركوزي في مناطق متباعدة صورة عن التناقض الذي حملته سياسته وطريقة سوقها منذ وصوله إلى الإليزيه. الموعد المقبل مع التناقضات سوف يكون بعد العطلة، حين يدق ناقوس الخصخصة كما وعد ساركوزي «أصدقاءه» قبل وصوله إلى سدة الرئاسة. ولكن ذلك كان قبل الأزمة المالية، فماذا سيفعل اليوم وهو الذي نادى بعودة الدولة لتأطير عمل التجمعات الصناعية الكبرى، وخصوصاً أنه يسعى بقوة إلى تخصيص شركة «أريفا» العملاقة النووية؟