كان الحاكم الفعلي في السنوات الأولى لعهد قرضاي... وطموحه يعود إلى عهد نجيب اللّه
تحوّل زلماي خليل زاد من الرجل الأول في أفغانستان إلى الظلّ، بعد سحب بساط الملف من تحته. لكن ذلك لم يؤثّر على الرجل الذي لا يزال طامحاً إلى مقعد الرئاسة، أو على الأقل «الضابط التنفيذي»

مي الصايغ
عام 2004، كان السفير الأميركي الأول لافغانستان زلماي خليل زاد مهندس فوز الرئيس الافغاني حميد قرضاي في أول انتخابات رئاسية شهدتها البلاد بعد الغزو الاميركي عام 2001. نهاية العام الماضي كان الخبر الاكثر إثارة احتمال ترشح خليل زاد الى الانتخابات الرئاسية الافغانية التي تجري في 20 آب من الشهر الجاري. أراد السفير الأفغاني الأصل، الذي كان مؤثراً في كابول لدرجة أن أي أمر لم يكن يتم من دون موافقته، أن يكون رئيساً لأفغانستان، حسب شائعة انتشرت بين أروقة الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الاميركية، لكنه أخفق في تقديم أوراق ترشحه قبل الموعد النهائي المحدد.
في أعقاب ذلك، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ خليل زاد قد يحتل منصباً مؤثراً في الحكومة الافغانية من دون انتخابه، وأنه في طور مناقشة ذلك مع قرضاي. لكن مسؤولين اميركيين أكدوا أن لا علاقة لهم بالفكرة ورفضوا تقديم توضيحات حولها.
وبحسب التقرير ستكون وظيفة خليل زاد بصلاحيات رئيس وزراء، ولكن ليس رئيس وزراء منتخباً، لأنه سيكون عرضة للمساءلة القانونية. وظيفة من شأنها أن تعطي خليل زاد سلطة «ضابط تنفيذي» لأفغانستان، من دون أن يضطر الى التخلي عن جنسيته الأميركية.
ويبدو أنّ استحداث هذه الوظيفة قد يكون بمثابة جائزة ترضية لخليل زاد لثنيه عن الوقوف بوجه قرضاي في الانتخابات الرئاسية الافغانية، وهي تشبه وظيفة مندوب سامٍ في حال التوصل لإقرارها، وتمثل عودة لدوره المؤثر الذي مارسه في السابق، حين كان ينظر إليه باعتباره «الوالي الاميركي» في كابول.
ففي كثير من الأحيان كان خليل زاد أشبه بالرئيس الفعلي لأفغانستان، مع إلمامه بكل تفاصيل المشهد السياسي الافغاني، ما خلق بديلاً لكرسي الحكم. وأمضى خليل زاد وقته متنقلاً بين السفارة الأميركية وقصر الرئاسة في كابول، حيث يقوم الاميركيون بحراسة قرضاي، فبدا المكانان كأنهما واحد. وبالتالي أصبح خليل زاد مقرباً من قرضاي استثنائياً.

كان يتغيّب عن الاجتماعات مع الإسرائيليين كي لا تؤثر على طموحه بأن يصبح رئيساً لبلد مسلم

وكان الرئيس الافغاني يصغي الى خليل زاد، الذي لقّب «بصانع ملوك أفغانستان»، فيما أضحى قرضاي الزعيم الصوري للسلطة الانتقالية. وبلغت مسألة تبعيته حد جعل صحيفة «نيويوركر» تصفه بـ«السخيف والذليل والمعتوه»، الذي لا يقوم بأي عمل من دون «أسياده الاميركيين».
رغم ذلك، ما لبث أن خبا النجم الأفغاني لخليل زاد، ولا سيما في غياب أي تأكيد لتقرير «نيويورك تايمز» من الإدارة الأميركية، بل بات ابتعاد خليل زاد عن الشأن الأفغاني الرسمي هو القائم حالياً. فبعد نقله إلى الأمم المتحدة من إدارة جورج بوش، جاءت إدارة باراك أوباما لتقصي الطاقم السابق ولتضع علامات استفهام كبيرة حول حلم «رجل أفغانستان القوي»، الذي يعمل حالياً مستشاراً في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية.
لكن هذا لا يمنع أن «سلطة أفغانستان» لا تزال تدغدغ خيال خليل زاد، ولا سيما أن علاقته بالوضع القائم هناك تعود إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي، مع بدء واشنطن دعم المجاهدين الأفغان ضد القوات السوفياتيّة. وكمسؤول في وزارة الخارجية في إدارة الرئيس الراحل رونالد ريغان، ساعد خليل زاد عام 1984 في تنظيم تسليح المجاهدين الافغان، بمن فيهم زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن.
وفي فترة لاحقة، دافع خليل زاد عن حركة «طالبان» لفترة قصيرة بينما كان يعمل مستشاراً لشركة النفط الاميركية «يونكال»، حين سعى إلى مفاوضة حكومة «طالبان» للحصول على حقوق بناء خط أنابيب نفط يمر عبر تركمانستان وأفغانستان وباكستان. ثم أصبح واحداً من أعنف منتقدي الحركة.
وبعد انسحاب القوات الروسية من افغانستان، بات واضحاً أن نظام نجيب الله آيل الى السقوط. وفي تلك الفترة، كشف خليل زاد رسميّاً عن حلمه، حين قال «سوف أخلف نجيب في قيادة أفغانستان»، فصفق له المجاهدون في باكستان. ولهذا بات يطلق على خليل زاد لقب «الملك زاد» في واشنطن.
ولتحقيق طموحه، كان خليل زاد حريصاً على خطواته الدبلوماسية، وهو ما يفسر موقفه تجاه إسرائيل في الآونة الاخيرة، إذ قدم الخريف الماضي، حين كان مندوباً أميركياً في الأمم المتحدة، مشروع قرار إلى مجلس الأمن يؤيد اتفاقاً بين الاسرائيليين والفلسطينيين في مؤتمر السلام في أنابوليس، من دون أن يشاور نظيره الاسرائيلي. وبعد أقل من 24 ساعة على تقديم المشروع، تولى أحد نوابه مهمة سحبه بطريقة مذلة.
وعلاوة على ذلك، كان خليل زاد يتغيّب عن الاجتماعات التي تضم إسرائيليين، مرسلاً في غالب الأحيان ممثلين عنه. كل ذلك، من أجل أن لا يستغل البعض هذه اللقاءات لقطع الطريق عليه كي يصبح رئيساً لبلد مسلم.
رئاسة أفغانستان، حلم لا يزال يراود خليل زاد، وهو يدرك في قرارة نفسه، أنه سيصبح رئيساً، حين تنضج الظروف.