صباح أيوبخلال «بطولاتهم» العسكرية في العراق وأفغانستان وبعد عودتهم إلى الديار، سجّل الجنود الأميركيون 133 حالة انتحار، بحسب آخر إحصاء رسمي صادر عن قيادة الجيش الأميركي عام 2008. أما الذين بقوا على قيد الحياة، فبعضهم نُقل إلى المصحّات العقلية مباشرةً، وبعضهم الآخر يعاني يومياً انهيارات عصبية متكررة، وصعوبة كبيرة في العودة إلى الحياة الطبيعية، والتأقلم مع المجتمع.
لمعالجة هذه الأزمة، كشف مسؤولون في الجيش الأميركي، أمس، عن البدء بتنفيذ خطّة شاملة لتدريب الجنود على «مواجهة الضغط النفسي خلال الحروب»، ابتداءً من تشرين الأول المقبل. الخطّة تشمل دورات تدريبية ستخضع لها وحدات الجنود العاملين حالياً في الميدان، ووحدات الاحتياط وعناصر الحرس الوطني. كما سيخضع لتلك الدورات أفراد عائلات الجنود والموظفون الإداريون.
الصفوف الأسبوعية (لمدة 90 دقيقة كل صفّ) تحتوي على تمارين للتعبير علناً عن الأحاسيس «بهدف تسهيل إخراج المشاعر الدفينة». كما سيعرض الجنود والمدرّبون مجموعة من الأفكار والعادات التي تواجههم أثناء تأديتهم الخدمة وفي ميدان المعركة وبعد خوضها. سيحاول المدرّبون مثلاً حلّ المشكلة النفسية التي تدفع الجندي إلى الشكّ في أن زوجته أو خطيبته تخونه مع شخص آخر بمجرّد أنها لم تردّ على الهاتف عندما يتّصل بها. إضافةً إلى تدريب الجنود على كيفية التعامل مع أنفسهم، بعد أن يقتُلوا أو يشهدوا عملية قتل، وعندما يشعرون بالرغبة في البكاء في الميدان أو عندما يتعرّضون لضغط شديد خارج موطنهم، وبعيداً عن ذويهم.
ويقول الجنرال جورج كايسي جونيور (القائد السابق للقوات الأميركية في العراق)، لصحيفة «نيويورك تايمز»، «نريد من هذه الخطة أن تغيّر الثقافة العسكرية»، ولم يُخفِ «تخوّفه من هذا المشروع الذي كلّف 117 مليون دولار».
كايسي يشرح أنّ «الثقافة العسكرية السائدة هي التي تقوم على كبح المشاعر وعدم إظهارها لكونها دليل ضعف»، مضيفاً إنه يرى «صعوبة في تقبّل الجنود أي ثقافة مغايرة أو جديدة».
ويشير أحد الاختصاصيّين النفسيين للصحيفة إلى أن «الدورات التدريبية ستُخرج ما في نفوس الجنود من غضب وانزعاج وسلبية، لكن النتائج ليست محسومة أو مؤكّدة». ويضيف الاختصاصي إنّ علم النفس يساعد على تسمية الأمور بأسمائها، «هكذا، يتعوّد الجنود التعاطي مع وضعهم النفسي الداخلي بتجرّد علمي، فيميّزون بين الهلع والحزن وعوارض ما بعد الصدمة»، ما سيساعدهم على معالجتها.
ويضيف الجنرال كايسي إنّ «نتائج الدورات النفسية تلك ستبقى سرية، وسيخصع لها جميع الجنود من كل الرتب، الذين سيجيبون عن 170 سؤالاً لتشخيص حالتهم النفسية».
وفيما يزوّد الجنود الأميركيون بالأفلام والموسيقى التي تحثّ على العنف في ميدان المعارك، ويلقّنون دروساً تدريبية تعتمد على إذلال الآخر واعتماد نماذج محدّدة للعدو المطلق مع التركيز على شعار «أطلق الرصاص على كل شيء متحرّك»، إضافة إلى تدجيجهم بأحدث الأسلحة والأكثر فتكاً، يُطرح السؤال عن جدوى تلك الدورات التدريبية النفسية. فهل ستنفع حصص التعبير عن المشاعر وتفريغ الغضب، فتقلّل من العنصرية والطرق الوحشية التي زُرعت في أذهان الجنود على مدى سنوات؟ وهل من طريقة لمحو مشاهد أعداد القتلى المدنيين والمجازر التي ارتكبها هؤلاء الجنود بأيديهم في العراق وأفغانستان؟ علاجات ما بعد فيتنام، لم تُظهر، منذ 40 سنة، أي نتائج إيجابية بعد.