الخسارة» في أفغانستان باتت هاجس الدول الغربية المشاركة في المعارك هناك، والتي تزجّ بكل ما في حوزتها من تكنولوجيا قتالية لضمان تحقيق الانتصار. إلا أن العنصر البشري يواصل تفوّقه
باريس ــ بسّام الطيارة
اعترف قبل أسبوع قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال بأن «قوات طالبان توسع سيطرتها على أرض المعارك»، في تصريح يؤكد ما تتناقله الوسائل الإعلامية عن أن «طالبان هي في طريقها لربح الحرب» رغم وجود ١٠٠ ألف جندي تحت إشراف حلف شماليّ الأطلسي، وهو ما يدفع بعض المسؤولين إلى الحديث عن «إمكان التفاوض مع طالبان» ويفسر ما بات يسمى «المحاولة السعودية» للدفع باتجاه الانفتاح على بعض فرقها الموصوفة بـ«المعتدلة».
إلا أن الخبراء العسكريين يقولون إن «طالبان» لم تعد مستعجلة، بعدما أثبتت المعارك الأخيرة تفوقها العسكري على الأرض، رغم التفوق التقني والكمّي الذي تتمتع بهما قوات التحالف الغربي. لذا ينكبّ الخبراء على دراسة أسباب «الخسارة» في ظلّ التفاوت الشاسع بين التجهيزات العسكرية للجيوش الغربية والتسليح الأفغاني، الذي يصفه الخبراء العسكريّون بأنه «بدائي».
رغم تكرار مقولة الشعب الذي لا يُقهَر، وترداد لائحة الدول التي تكسرت أنيابها في جبال أفغانستان على مر التاريخ، حتى باتت أفغانستان توصف بأنها «مقبرة الإمبرطوريات»، إلا أن الحرب اليوم، كما كانت في عهد السوفيات، تثبت مرة أخرى أن عنصر الإنسان أهم من عناصر التكنولوجيا، وأنه يمكن بواسطة سلاح بسيط إفشال عمل آلة عسكرية من أحدث طراز وهزيمة جيش مجهّز بأحدث ما توصلت إليه الصناعات الحربية والتكنولوجيا الغربية.
«طالبان» في طريقها لربح الحرب رغم وجود ١٠٠ ألف جندي تحت إشراف «الأطلسي»
وينظر الخبراء إلى ساحة القتال الأفغانية على أنها مختبر لمجموعة الأسلحة الجديدة الفتاكة التي تنتجها المصانع الحربية. ورغم عدم نجاعة استعمال التقنية المعقدة في دحر «طالبان»، فإن القوى الأجنبية، وخصوصاً الفرنسية والأميركية والبريطانية، استدعت إلى ساحة المعارك آخر نماذج تكنولوجيا القتال الحديثة.
وحصلت «الأخبار» على تفاصيل التجهيزات الجديدة التي وصلت، أو هي في طريقها إلى قوات مشاة البحرية الفرنسيين المشاركين في أفغانستان، والتي كشفت عنها مصادر عسكرية عشية احتفالات العيد الوطني. وتحت شعار «الجندي الجديد»، بات جندي المشاة الفرنسي يحمل معه ٢٦ كيلوغراماً من المعدات التكنولوجية التي تهدف أولاً وأخيراً إلى «حمايته أكثر من قتل العدو»؛ فبندقيته من نوع «فاماس» (Famas) مجهزة بكاميرا حرارية تستطيع الكشف عن عدو مموَّه مختبئ حتى في وضح النهار، وتنقل هذه الصور إلى شاشة صغيرة في طرف خوذته، بما يسمح له بالتصويب «مواربة» خلال المعارك في المدن من دون أن يعرّض نفسه للخطر.
ويصل وزن سترته الواقية من الرصاص ٦ كيلوغرامات، لأنها تحمل بطاريات معبأة تكفي ٢٤ ساعة لشحن الـ«جي بي إس» (GPS) كاشف المواقع، الذي يسمح لمركز القيادة بمتابعة تحرك الجندي على ساحة المعركة على شاشة كومبيوتر محمول، يشير أيضاً إلى مواقع العدو عبر التقاط الحرارة المنبثقة من جسده، لتمثّل بعملية ترقيم ساحة المعركة وإدارتها، وحتى الإشارة إلى جندي بإطلاق النار بعد تحديد هدف غير منظور منه. كذلك يمكن الجندي أن «يهمس» في ميكروفون بالغ الحساسية ملتصق بأسفل فمه (ostéo phone) يسمح له بالتخاطب من دون أن يرفع صوته.
أما الحذاء فهو مصنوع من مادة غورتكس (Gore-tex) وبالطبع فإن اللباس الواقي المصنوع من «بوليستر مقوى» مشدود بألياف من الألومنيوم تسمح بحماية أطراف الجندي من الشظايا في حال تفجير عبوات أثناء مروره، كذلك تقي المفاصل بواسطة ارتكازات من الباكليت المقوى القابل لمواكبة الحركات. وجديدها أنها تقاوم أيضاً نصل خناجر القتال، في حال الالتحام الجسدي مع «الأعداء» والاشتباك بالسلاح الأبيض.
وشكك أحد المدربين العاملين في مركز سيسون جنوب فرنسا في أن هذا اللباس الجديد المعروف باسم فيلان (félin)، أي سنّوري، الذي يكلف نحو ٢٠ ألف يورو للوحدة، يسمح للجنود (بسبب وزنه ٦ كيلوغرامات إضافية) بخوض معارك مواجهة بالسلاح الأبيض. وتساءل: ماذا يمكن أن يحصل في حال وقوع عطل في النظام الرقمي الذي يجمع بين الوحدات المقاتلة؟ وأضاف أن «العدو» يحمل كلاشنيكوف ويلفّ رأسه بكوفية أو خمار، وهو مستعد للتضحية بحياته من دون النظر إلى ما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا من حماية لشخصه، ومهما حصل فلن يتغير عليه شيء.
وبحسب أكثر من مشارك في التدريبات، فإن عدداً من المدربين يودون المحافظة على النظام القديم، الذي يقول للجندي: «هناك إمكان لمواجهة الموت، لا فقط فعل المستحيل لتجنب الموت».