حقق المسؤولون الأتراك، في الأسابيع الماضية، قفزة نوعية في إطار تحويل بلادهم إلى الممر النفطي «الترانزيت» الأهم في العالم. إلا أنّ الخلاف يبقى مقاربة حجم الفائدة والأضرار
أرنست خوري
تحوّلت تركيا نظرياً، في غضون أكثر بقليل من شهر، إلى أكبر ممر نفطي في العالم من دون منازع، وذلك من خلال توقيع قيادتها على 6 عقود نفطية هائلة، أبرزها «نابوكو» و«ساوث ستريم» والعقود النفطية الثلاثة مع قطر والاتفاق الأخير مع سوريا. وضعية هي ترجمة لنظرية «العمق الاستراتيجي» التي صاغها مهندس سياساتها الخارجية، وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو. وينقسم محلّلو وخبراء الشأن التركي إزاء مفاعيلها التطبيقية على قوّة تركيا وموقعها كقوة إقليمية لا تكفّ عن السعي إلى احتلال دور «العملاق» الذي لا يمكن تجاوزه في أي من القضايا العالقة في مناطق الشرق الأوسط والقوقاز وأوروبا إن أمكن. وعبّرت حكومة رجب طيب أردوغان عمّا تأمله من خلال تأدية دور الممر النفطي، عندما قال وزير النفط، تانر يلديز، بعد عقده اتفاقاً نفطياً في دمشق يوم الخميس الماضي، إنّ «اتفاقات تركيا حول نابوكو وساوث ستريم والمعاهدات مع قطر وسوريا ومع أذربيجان فتحت الباب أمام مرحلة جديدة، فالغاز الطبيعي العربي هو جزء لا يتجزّأ من السياسات النفطية التركية، ونحن نعرف مكامن قوتنا، وبات العالم بأسره يدرك أنّ ليس أمامه خيارات نفطية بمعزل عن تركيا».
وفي 13 تموز الماضي، تمّ توقيع اتفاق «نابوكو» في أنقرة، وهو مشروع أنابيب بقيمة 11.6 مليار دولار ويجب أن تكون جاهزة للعمل في غضون عام 2014، ويجدر بها نقل نفط وغاز دول بحر قزوين وإيران ومصر والعراق إلى أوروبا عن طريق تركيا.
مشروع هائل هدف الأوروبيون منه إلى التقليل من تبعيتهم إزاء النفط الروسي، غير أنّ مشكلتين تعترضان طريق نجاحه؛ اتفاق «ساوث ستريم» الذي وقّعه رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين في العاصمة التركية أيضاً بعد 24 يوماً فقط على إبرام صفقة «نابوكو»، والأزمة التي يواجهها الأوروبيون في إقناع الدول المعنية ببيعهم نفطها.
فـ«ساوث ستريم» الهادف إلى مد أنابيب نفطية من روسيا وتفادي الممر الأوكراني عبر المرور بالمياه الإقليمية التركية، هو ببساطة، «بديل نابوكو» على حد وصف بوتين نفسه، وافقت تركيا عليه كخطوة تقع في أساس مشروعها لـ«منتدى التعاون والاستقرار في القوقاز».
كذلك فإنّ «نابوكو» يواجه خطر عدم توفّر مصادر النفط والغاز، وخصوصاً بعد توقيع شركة النفط والغاز الأذرية (سوكار) عقداً مع عملاق النفط الروسي «غازبروم» ستبيع أذربيجان بموجبه 500 مليون متر مكعب من غازها إلى روسيا سنوياً. أما تركمانستان، إحدى الدول التي تعوّل أوروبا على نفطها وغازها في مشروع «نابوكو»، فإنّ إمكانياتها التصديرية غير كافية لتأمين الاحتياجات الاستهلاكية الأوروبية. وتبعاً لما يقوله الخبير النفطي التركي، نجدت بامير، فسيكون على هذه الدولة مضاعفة إنتاجها من الغاز لتؤمّن تعهداتها لروسيا وإيران والصين، فضلاً عن احتياجاتها للاستهلاك المحلي.
وبالنسبة إلى إيران، فإنّ واشنطن أعربت عن عدم رضاها عن ضمّ هذه الدولة لمشروع «نابوكو»، وذلك في سياق محاولاتها فرض حصار اقتصادي على الجمهورية الإسلامية.
موقع تركيا كأهم ممر نفطي في العالم موضع إجماع محلي وعالمي، غير أنّ الخلاف هو على ما إذا كانت هذه الوضعية نقطة ضعف أو قوة لتركيا. فمن جهة، هناك من يرى أنّ الحكام الأتراك، باستراتيجيتهم النفطية الحالية، لا يفعلون سوى تعميق تبعية بلادهم نفطياً إزاء روسيا والغرب. رأي مرفَق بالتشديد على ضرورة أن تلجأ أنقرة إلى إنتاج طاقتها الخاصّة المتجدّدة، أكان من الرياح أم من الشمس.
في المقابل، يرى محللون آخرون أنّ تأدية تركيا دور الضامن للأمن النفطي في العالم يعطيها قيمة مضافة اقتصادية واستراتيجية سياسية، وتحديداً في تعزيز حظوظها في دخول الاتحاد الأوروبي.