طهران ــ محمد شمصالاضطرابات الأخيرة التي شهدتها إيران على خلفية الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية، وضعت الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني على مفترق طرق خطر، وقد تطيح بكامل نضاله وتاريخه السياسي والثوري، أو تبقيه في موقعه قيادياً وسياسياً من الطراز الأول، إلى جانب أصحاب القرار في القيادة.لقد فاجأ «الرجل الحديدي»، الذي أخفق في إمساك العصى من وسطها خلال هذه الأزمة، الإيرانيين والخارج بدعوته لهم إلى الالتزام بتوجيهات وأوامر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، وضرورة توحيد الصفوف ومواجهة «الفتنة والهجمة الخارجية».
تصريح عدّه المعارضون تخلّياً عنهم، ويشير إلى بيعهم للنظام. كذلك أصاب بالخيبة والإحباط المراهنين في الداخل والخارج على حضور الرئيس الأسبق، كفرصة استثنائية إلى جانب المعارضة، باعتباره من أهم أركانها وأقواهم، رغم أن الشيخ ينأى بنفسه عن أيّ من التيارين الإصلاحي والمحافظ، بحسب مصادر مقرّبة منه.
لكنّ مواقفه المتماهية مع الإصلاحيين، خلال الأزمة، وضعته في قفص الاتهام لدى السلطة، كأبرز وجوه «الثورة المخملية». وأثارت مواقفه غضب المحافظين وقاعدتهم الحزبية والشعبية، حتى إنهم وصفوه بـ«شاه إيران»، وتوقعوا له مصيراً أسوأ من المصير الذي آل إليه آية الله حسين منتظري، بعدما عزله قائد الثورة الإيرانية الإمام الخميني عن منصب الخلافة من بعده.
أوصاف واتهامات آلمت الرجل الذي رافق الخميني في معظم محطات الثورة ولحظاتها الحساسة، قبل انتصارها بعقود. واستشعر الرجل الخطر، من خلال الاستمرار بصمته، حيث عُدّ هذا الصمت علامة رضى عما يجري، ولا سيما بعد الفشل الذي آلت إليه «الثورة المخملية»، ومحاكمة قادتها الميدانيين والسياسيين من الصف الثاني، والمطالبة بمحاكمة قادة الصف الأول فيها، حسبما جاء في خطبة رئيس مجلس صيانة الدستور، آية الله أحمد جنتي.
لهذا، أدرك الشيخ المخضرم أنه ينبغي تدارك الخطأ قبل حصول الكارثة، ولا سيما بعدما صدرت تلميحات وتهديدات صريحة عن أعضاء في مجلس خبراء القيادة تنذر باحتمال إقالته من منصبه، كرئيس لهذا المجلس، وذلك خلال الاجتماع الدوري لمجلس الخبراء المقرر عقده في تشرين الأول المقبل، وخصوصاً أن المرشد الأعلى يحظى بدعم وتأييد غالبية أعضائه البالغ عددهم 84 عضواً.
أول الغيث كان في تسمية آية الله كاظم صديقي لإقامة صلاة الجمعة في جامعة طهران، ما فسّره مراقبون أنه مقدمة لعزل الشيخ رفسنجاني عن منبر الجمعة. إلا أن الهيئة المشرفة على صلاة الجمعة نفت أن يكون صديقي بديلاً من رفسنجاني.
وبما أن الأوان لم يفت بعد، حيث لا يزال الرجل يحظى بدعم خامنئي، رغم سعي المعارضة الحثيث لزعزعة موقع المرشد والتشكيك في حياديته، يقف رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام أمام قرار تاريخي صعب؛ إما أن يكمل انعطافته وعودته إلى صفوف رفاقه وتاريخه النضالي والثوري، وإما أن يقف إلى جانب أصدقاء له بين الإصلاحيين، فيبقى مصير مستقبله السياسي غامضاً ورهناً لصورة المشهد السياسي المأزوم في البلاد.
لا شك في أن انعطافة رفسنجاني وجّهت ضربة قاسية للمعارضة الإصلاحية، التي أصيبت بخيبة أمل جديدة، لأن رفسنجاني إحدى أهم الشخصيات القيادية النافذة، التي طالما منحت المعارضة المشروعية بوجودها إلى جانبها.
أيضاً وضع الرئيس البراغماتي تحرّك المعارضة في إطار القانون والنظام، ونفى عنها أو عن بعضها تهمة التصاقها بالغرب، بعدما كشفت اعترافات المعتقلين صلة أطراف في المعارضة بأجهزة استخبارات أجنبية.