خرجا من الوصاية الجورجيّة ليرتميا في الحضن الروسي ربى أبو عمّو
عامٌ مرّ على إعلان الإقليمين الانفصاليّين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية استقلالهما عن جورجيا. استقلال أو انفصال تحقق بعد حرب الأيام الخمسة بين تبليسي وأوسيتيا الجنوبية، قبل أن تتسلّم موسكو الدفة بدلاً من تسخينفالي. حرب لا بد فيها من منتصر وخاسر. إلا أن الاحتفالات التي شهدها الإقليمان أول من أمس، تخطت النصر. فالأساس كان الاستقلال، والعودة إلى هويةٍ ظلت أسيرة للآخر لسنوات طوال. فهل أعادت تسخينفالي وسوخومي هذه الهوية، أم سيطرت عليها روسيا؟


أحد الأمور التي تغيّرت هي أن أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية باتتا جزءاً من روسيا
لا شك أن أصداء الموسيقى وأكاليل الزهور وأصوات أبواق السيارات والأعلام الروسية والأوسيتية والأبخازية هي محاولة لتثبيت وجود هوية. حاولت روسيا من جهتها أن تكون الكفيل أو الضامن. فجاء كلام رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، الذي أكد أنه «غير مشغول بعدم اعتراف أيّ من الدول، باستثناء نيكاراغوا وموسكو، باستقلالهما». والأهم كان تأكيده أن «مجرد عدم اعتراف عدد كبير من الدول باستقلالهما لا يضرّهما... يكفي اعتراف روسيا».
وإضافة إلى كلام بوتين، الذي بدا متوازناً مع الواقع السياسي الحالي، شهد يوم أمس فتح روسيا خط أنابيب جديداً لضخ الغاز الطبيعي الروسي إلى أوسيتيا الجنوبية مباشرة، من دون الحاجة إلى المرور عبر الأراضي الجورجية. ومن المقرر أن يبدأ العمل به في أيلول المقبل. وتجدر الإشارة إلى أنه في آب الماضي، منعت جورجيا وصول الغاز إلى أوسيتيا بحجة أن جزءاً من خط الأنابيب داخل تسخينفالي قد تضرر بفعل الحرب. واستمر هذا الانقطاع حتى أوائل كانون الثاني من العام الجاري.
إلا أنه في مقابل هذه الهدية، لا يمكن إخفاء أن عدم الاعتراف الدولي بأبخازيا وأوسيتيا يضعهما في عزلة دولية. فبعد خروجهما من سيطرة تبليسي، ها هما ينخرطان أكثر فأكثر في العمق الروسي. ويرى المحللون أن هذا الواقع غير المستقر يرجح أن يبقى على حاله. ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «ماونت هوليوك»، ستيفين جونز، أن «الوضع يمكن أن يستمر كما هي الحال في قبرص وتايوان. لا أرى أن هذه الأراضي يمكن أن تعود إلى جورجيا، بل إنه كلما مر الزمن على انفصال هذين الإقليمين عن جورجيا، ابتعدا عنها أكثر». أمر يؤكده أيضاً أستاذ السياسة الدولية في جامعة «كولومبيا»، ومؤلف كتاب «الديموقراطية غير المؤكدة: السياسة الخارجية الأميركية والثورة الوردية الجورجية»، لينكولن ميتشل. يقول إن «الحرب لم تغير كل شيء. إلا أنها غيّرت بعض الأمور. أحد الأشياء التي تغيرت هو أن هذه الأراضي باتت جزءاً من روسيا».
على الأرض، تقول موسكو إن لديها 7600 جندي في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، معلنة خططاً لبناء قاعدة بحرية في أبخازيا على مقربة من خط وقف إطلاق النار الفاصل بينها وبين جورجيا، إضافة إلى قواعد أخرى في غوداوتا في أبخازيا وأخالغوري في أوسيتيا الجنوبية. وخلال زيارته سوخومي في 12 من الشهر الجاري، تعهد بوتين بتقديم 15 مليار روبل (460 مليون دولار) لأبخازيا بهدف تعزيز دفاعاتها، إضافة إلى تشييد قواعد عسكرية روسية.
وتمهيداً للذكرى السنوية الأولى لاستقلال الإقليمين الانفصاليين، أعلن مسؤولون روس وأوسيتيون جنوبيون خطة جديدة لبناء مستوطنات سكنية على مشارف تسخينفالي، على أرض أطلق عليها اسم مقاطعة موسكو.


روسيا تعلن خطة جديدة لبناء مستوطنات سكنية، على مشارف تسخينفالي
إذاً، انغمست الهوية الأوسيتية والأبخازية في الروسية، فيما اغتنت روسيا على الصعيد السياسي والاستراتيحي بالمقارنة مع جورجيا. إلا أن الهوية تطرح سؤالاً: لماذا أراد الأوسيتيون الاستقلال؟ يقول أستاذ التاريخ والعلوم السياسية في جامعة «ميشيغان»، رونالد غريغور، إنه «من دون فهم تاريخ الاتحاد السوفياتي، يصعب إدراك ما يجري الآن». رغم أن غالبية الاتحاد السوفياتي ضمّت روساً، إلا أنه احتوى في الوقت نفسه على 100 مجموعة عرقية. وأمضى فلاديمير لينين وجوزف ستالين سنوات سعياً لإبقاء هذه العرقيات المختلفة تحت السيطرة، حتى إن الأخير لجأ إلى تقسيم القوميات.
كان للمجموعات الكبرى، أي الروس والأوكران والجورجيون والأرمن، جمهورياتهم الاتحادية، التي كوّنت الاتحاد. أما الشيشان والأوسيتيون والتتار، فكان لهم «أوطان» أو مقاطعات حكم ذاتي داخل هذه الجمهوريات. وكانت مقاطعة أوسيتيا داخل جورجيا. حاول الاتحاد السوفياتي إدخال هذه الأقليات في الثقافة الروسية، وأنشأ الكرملين مناطق الحكم الذاتي وروّج للغات السكان الأصليين. وبذلك، ضمن الاتحاد حصة هذه الأقليات، وروّض احتمال تمردها.
إلا أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، استقلت الجمهورية الجورجية وكان عليها أن تواجه رغبة مماثلة للتي اعترتها، وهي مطالبة أبخازيا وأوسيتيا بالاستقلال. وأكثر ما استطاع الإقليمان الانفصاليان الحصول عليه هو استقلال غير معترف به، وبقيا تحت السيطرة الجورجية.
ومنذ عام، حانت ساعة الفرصة. أعلن الإقليمان انفصالهما، وبدأت رحلة الهوية.

(يو بي آي، رويترز)