من المتوقّع أن يسجَّل اليوم كتاريخ مهم في العلاقة بين تركيا وأكرادها، إذ يتوقع أن تتلى بنود «خريطة طريق» عبد الله أوجلان أمام مليون متظاهر كردي من أجل «سلام مشرّف»
أرنست خوري
يُنتَظَر أن يتحقق في تركيا، اليوم، ما كان منتظراً منذ مدّة؛ سيتظاهر مليون كردي من أنصار حزبَي «المجتمع الديموقراطي» و«العمال الكردستاني» في عقر دار القومية الكردية ديار بكر، تحت شعارين: «نعم لسلام مشرّف» بين الأكراد والدولة التركية، و«هذه هي شروطنا التي يريدها الزعيم عبد الله أوجلان، ولن نقبل بما هو دون سقفها لتحقيق هذا السلام». استحقاق يتوقَّع أن يكون ذا أهمية استثنائية، وجرت التهيئة له على خطوط عديدة، أكان من ناحية حكومة رجب طيب أردوغان المستمرة في حشد التأييد الشعبي والعسكري والسياسي لخطّتها «الانفتاح الديموقراطي»، أم من طرف الأكراد وحزبَيهم المتفقَين على شروطهما، وعلى أنّ أوجلان سيبقى «مفتاح السلام».
وبدا في الأيام الماضية أنّ المفاوضات غير المعلَنة بين الطرفين تجري بالنار حيناً، وبالتهديد أحياناً، وبالغزل الكلامي حين تقتضي الحاجة فقط. فقد طرأت أمور محيّرة في الأيام الماضية على خطّ الحوار التركي ـــــ الكردي. سلّم محامو أوجلان «خريطة طريقه» إلى أنقرة، الأسبوع الماضي، ثمّ راحت الحكومة التركية تسرّب بنوداً متضاربة من خطتها، مع بقاء عقدتين مستعصيتين: فدرالية تركيا، والعفو عن المقاتلين الأكراد.
ومع جزم أنقرة بأنّ الشق الثقافي واللغوي سيكون رئيسياً في خطتها «الانفتاحية الديموقراطية» تجاه الأكراد، فقد أصرّ قضاؤها على مواصلة انتهاج السلوك «التتريكي» المعتمد إزاء «الأقليات». ففي ديار بكر، انطلقت، أمس، التحقيقات القضائية مع الطفلة الكردية، ابنة العشر سنوات، مديا أورميك، لأنها ضُبطَت وهي تعلّم لغتها الكردية لعشرة أطفال من سنّها في غرفة نومها في منزل ذويها. انتشر خبر تلقين الطفلة لغتها الأم لأترابها في الصحف التركية، فاستُدعيت هي وذووها إلى التحقيق، وفتح ملف قضائي في القضية، وصُدم المحققون لأنهم كانوا مضطرين إلى التحقيق معها بلغتها الكردية، إذ إنها لا تجيد التركية. أشياء لا تحصل إلا في تركيا.
سلوك قديم ـــــ جديد تزامن مع مقتل 4 جنود أتراك في محافظة هكاري الحدودية، في كمين لمقاتلي «الكردستاني». صفعة في مقابل صفعة. ولأنّ حرباً باردة من هذا النوع تجري برضى الطرفين وبموافقة ضمنية منهما، كان لا بد من عدم تعظيم القضية، فانبرى أردوغان ووزير داخليته بشير أتالاي وأعلنا أنّ عملية هكاري لن توقف مسار السلام. كلام إيجابي كان لا بد من موازنته بآخر سلبي أيضاً. فقد عقد أتالاي مؤتمراً صحافياً في أنقرة، أمس، أوضح في خلاله أن حكومته تفكر في اللجوء إلى بدائل عن العمليات العسكرية للتوصل إلى إقناع مقاتلي «العمال الكردستاني» بالتخلّي عن سلاحهم، جازماً في الوقت نفسه بأنّ العفو عن هؤلاء «ليس من ضمن خططنا الفورية».
وعن موعد الإعلان الرسمي لخطة «الانفتاح الديموقراطي»، أوضح الوزير أنّها قد تبصر النور بعد انتهاء الإجازة الصيفية للبرلمان في تشرين الأول المقبل.
وجاء الرد سريعاً من النائبة الكردية عن «المجتمع الديموقراطي» أمينة أينا، التي سبق أن التقت أردوغان الأسبوع الماضي، فقالت إنّ محاولات عزل «الكردستاني» وزعيمه أوجلان عن مسار السلام «مصيرها الفشل، لأنّه لن يكون هناك سلام من دون آبو».
وبالنسبة إلى الاستحقاق المنتظَر اليوم، ستكون ديار بكر على موعد مع تظاهرة مليونية، بدعوة من «المجتمع الديموقراطي». وأجمعت التسريبات والمعلومات والتوقعات على التأكيد أن التظاهرة ستشهد تلاوة بنود «خريطة طريق» أوجلان، وهو ما أُجّل منذ 15 آب الماضي.
وقد سادت أجواء مريحة في أنقرة إزاء التظاهرة، بما أنّه ليس من مصلحة أيّ من الطرفين تعكير أمنها. وعرفت الأيام القليلة الماضية تنسيقاً أمنياً بين الشرطة التركية، التي ستكون في حالة استنفار عام، والجهة المنظّمة التي طمأنت إلى أنّ التحرك الشعبي سيكون سلمياً ونموذجياً. وقد دُعي إلى هذه المناسبة عدد من المثقفين الأتراك المعروفين بانفتاحهم على كلّ حل ديموقراطي للقضية الكردية، وفي مقدّمهم أورهان باموك ويسار كمال وزلفا ليفانيلي ومورثان مونغان وسيزن أكسو. واختصر زعيم حزب «المجتمع الديموقراطي» أحمد تورك هدف التظاهرة بالقول: «سننزل إلى الشوارع لنعلن مطالبنا، ليكون هذا اليوم يوم السلام العالمي».