المرشح الخاسر عجز عن قيادة تيارات استغلّت الإصلاحيين لتغنّي موّالهامعمر عطوي
لم تكن تحرّكات المعارضة في شوارع طهران وضواحيها، التي استمرت ما يُقارب أسبوعين وأدّت إلى سقوط أكثر من 20 قتيلاً وعدد من الجرحى والمعتقلين، نتيجة حركة مدروسة ومنظمة مسبقاً، حسبما يرى مصدر مطّلع على الأوضاع هناك.
لقد كانت التظاهرات والاعتصامات والمواجهات، في الظاهر، ردة فعل عفوية على نتائج الانتخابات الرئاسية، التي أكدت فوز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية. لكنها أخفت في الباطن بواعث أخرى، لدرجة أن المرشّح الإصلاحي مير حسين موسوي بدا غير مستعد للسير في تحمّل تبعات كونه «زعيم المعارضة الإيرانية».
ثمة تيارات عديدة في الشارع، بعضها مدعوم من الخارج عبر منظّمات أو دول، استغلّت الفوضى لإثبات وجودها في المشهد السياسي. بيد أن حجر الرحى في كل ما جرى كان تيار الإصلاحيين الذي يقوده حزبان أساسيان هما «المشاركة» برئاسة محمد رضا خاتمي، و«مجاهدو الثورة» وأبرز قياداتها بهزاد نبوي. وعلى الهامش، يقف حزب «كوادر البناء» الذي يتزعمه رئيس مجلس الخبراء علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وحزب علماء الدين المناضلين و«حزب اعتماد ميللي» بقيادة المرشّح مهدي كروبي، إلى جانب بعض مؤيّدي المرشّح محسن رضائي. أمّا الرئيس السابق محمد خاتمي، فيؤدي دور المحرّك الخلفي، فيما يقوم رفسنجاني بتمويل هذا التيار ودعمه من وراء الكواليس.
في الشارع، ثمة تيارات عديدة اخترقت صفوف الإصلاحيين، «لتغنّي موّالها» الخاص. من هذه التيارات «منظمة مجاهدي خلق» بزعامة مريم رجوي، «وتتلقى دعماً من بريطانيا وفرنسا»، بحسب المصدر، بعدما انحسر دورها في العراق بإقفال «معسكر أشرف».
ويرى المصدر أن «مجاهدي خلق» هم التنظيم الأكثر انضباطاً والتزاماً بتكتيكات معينة، يعرف أهدافه بدقة، ويعمل وفق خطط مدروسة، وخصوصاً أنه «يتلقّى دعماً من عواصم غربية»، فيما تقوم الولايات المتحدة، التي تزعم أنها تضعهم على لائحة الإرهاب، باستضافة عشرات محطات التلفزة التابعة للمنظمة، تبث برامج سياسية باللغة الفارسية موجهة إلى داخل إيران.
أمّا باقي ألوان الطيف السياسي، فتشمل بقايا «حاشية» الشاه الراحل محمد رضا بهلوي، ثم تتوزع بين شرائح قومية كردية وعربية وبلوشية انفصاليّة، وبين أقليّات مذهبيّة. وفي نهاية القائمة، تقف حركات الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة والمنظمات المطالبة بالحريّات الشخصية وحرية الاختلاط بين الجنسين. جوامع مشتركة دفعت كل هؤلاء إلى تبنّي شعار موسوي «أين صوتي؟»، وحمل الرايات والشارات الخضراء التي ترمز إلى حملة المرشّح الإصلاحي كستار لتحقيق أهدافهم في الانتقام من النظام الإسلامي.
وفي ظل هذه الفوضى، التي وضعت حكومة المحافظين أمام تحدٍ كبير، كان لا بد لمؤسسات «حفظ النظام الإسلامي» من حرس ثوري وتعبئة «باسيج» و«أنصار حزب الله» المتشددين الذين يقودهم «كرم الله»، من التحرك لضبط إيقاع ما يجري والتخفيف من مدى استغلال الخارج لتناقضات الداخل.
ويكشف المصدر أن الحرس الثوري تدخّل من وراء الكواليس منذ الأيام الأولى للتظاهرات، لكنه لم يُظهر تدخّله العلني إلا بعد حوالى عشرة أيام، حين هدد «بتصدّ ثوري» لأي عملية إخلال بالأمن.
ويضيف المصدر أن السلطات نجحت في تفكيك القيادة «الشرسة» لهذه المعارضة، باعتقال كلّ كوادر الصف الثاني مثل بهزاد نبوي (حزب مجاهدي الثورة)، ومحمد رضا خاتمي وميردا مادي وسعيد حجاريان (حزب المشاركة)، ومحمد علي أبطحي المقرّب من كروبي (مجمع روحانيون مبارز)، الذين اعتقل بعضهم في مبنى لحزب المشاركة شمال طهران في الأيام الأولى للتحركات.
وتبين أن خاتمي وموسوي نأيا بنفسيهما عن قيادة المعارضة مباشرة، حيث بقيا طوال فترة الأحداث في الظل، فيما بدا رفسنجاني، بعد اتهام عائلته بالفساد من قبل نجاد، حريصاً على تسوية الأمور وفق صفقة تُزيح عنه سمة الفساد، بما يعني «لملمة القضية».
وكما اجتمعت عوامل عديدة لإلهاب الشارع، تكاملت أيضاً أسباب عديدة للتهدئة، من بينها حرص المرشد الأعلى علي خامنئي على حفظ موقع رفسنجاني رغم خلافه مع نجاد المدعوم من المرشد أيضاً، إضافة إلى تدخّل الحرس الثوري المباشر بما يملكه من «هيبة» وقدرة على الإمساك بالمفاصل الحيوية، إلى جانب حساسية بعض تيارات المعارضة وخشيتهم من إمكان اتهامهم بالعمالة للخارج، ولا سيما أن تصريحات العواصم الغربية المنتقدة للنظام كانت تؤذي هذه التيارات أكثر من أن تخدمهم.
ويبقى السؤال: ماذا يمكن أن يواجه نجاد خلال أربع سنوات مقبلة من ولايته، بعدما تجاوز مجلس صيانة الدستور كل الطعون وانتقادات الداخل والخارج، بحسم فوزه، في ظل اتجاه لإطلاق قادة المعارضة، وتصميم موسوي على مقارعة السلطة حتى تثبت عمليات التزوير؟