تسعى فرنسا لاستعادة دورها في الشرق الأوسط، انطلاقاً من البوابة السورية التي زارها موفدان شخصيان من الرئيس نيكولا ساركوزي، قيل إنهما سلّما رسالة من «بيبي» إلى الرئيس بشار الأسد
باريس ــ بسّام الطيارة
مثّلت زيارة الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان، والمستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي جان دافيد ليفيت، بداية عودة لفتح الملفات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وإعداداً لمناورات أوسع قد تأخذ شكل منافسة بين واشنطن وباريس، مع بداية تموضع «يأخذ في الاعتبار» نتيجة التغيّرات الإقليمية الأخيرة. تغيّرات «عدّدتها» مصادر فرنسية مطلعة لـ«الأخبار»، وترتبط مباشرةً بنتيجة الانتخابات في إسرائيل التي أفضت إلى وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه إلى السلطة، إلى جانب انعكاسات الوضع في الساحة الإيرانية الذي وصفته المصادر بأنه «مزلزل» ويؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على الوضع في أفغانستان والعراق، وأخيراً نتيجة الانتخابات اللبنانية التي وصفت بأنها «سعيدة» ويمكن البناء عليها.
وكشفت المصادر الفرنسية عن أن رجلي ساركوزي حملا «رسالة من نتنياهو إلى الأسد» تفيد باستعداد رئيس وزراء الدولة العبرية للعودة إلى مفاوضات «من دون الوسيط التركي»، الذي فقد الكثير من مؤيّديه الإسرائيليين نتيجة مواقفه إبان الحرب على قطاع غزة. وحسب أكثر من مراقب، فإن الفرنسيين يسعون في الوقت الحالي إلى «إعادة تأطير المفاوضات في المنطقة» للاستفادة من «زخم رعشة التغيّرات في المنطقة». ويبدو للمراقبين أن الدبلوماسية الفرنسية، بـ«توجيه مباشر من ساركوزي»، تسعى إلى بناء مواقع لها «داخل أي حل يمكن أن يقود إليه تحرّك واشنطن»، وهو ما يفسّر انتشار التسريبات عن مضمون ما دار خلال لقاء نتنياهو ـــــ ساركوزي في الإليزيه، وخصوصاً في ما يتعلق بـ«وصف وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان»، حيث أكدت مصادر دبلوماسية عربية مطلعة لـ«الأخبار» أن «هذه التسريبات جاءت من إسرائيل لا من الإليزيه».
ويرى مراقبون في تكليف غيان وليفيت، «قبل أيام معدودة من زيارة (وزير الخارجية الفرنسي برنار) كوشنير لدمشق»، بمهمة دبلوماسية بهذه الأهمية «حركة ضمن إطار تحرك إقليمي كبير يشرف عليه رئيس الجمهورية فقط»، وهو يتجاوز دور تركيا (في المفاوضات مع إسرائيل)، حيث حطّ الرجلان في أنقرة قبل وصولهما إلى دمشق، ويشمل «ما يمكن سوريا أن تفعله شرقاً وغرباً». ففي الشرق هناك على الأقل نقطتان يمكن سوريا أن تؤدي دوراً فيهما. ففي العراق، يرى الفرنسيون أن انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية يمثّل تلبية لجزء من المطالب السورية، و«يمكن البناء عليه»، وخصوصاً أن الأميركيين يستعدون لإعادة سفيرهم إلى دمشق بعد أن «انتقدوا مسار التقارب الفرنسي السوري». وفي الشرق أيضاً، باتت فرنسا التي افتتحت قاعدة عسكرية لها في الإمارات في مواجهة الشواطئ الإيرانية مهتمة بـ«تأمين ظهرها» إذا خرجت الأمور في الملف النووي الإيراني من إطار «التفاوض وذهبت في اتجاه المواجهة» العسكرية «التي لا نتمناها»، حسب تصريح مصدر دبلوماسي.
أما في اتجاه الغرب، «فلا يوجد فقط لبنان حيث لسوريا دور»، بل أيضاً هناك «المسألة الفلسطينية». وعلى الصعيد اللبناني، أكدت المصادر أن هذا الملف «كان آخر نقطة» على جدول المشاورات التي قام بها غيان وليفيت. وأشارت إلى أن التسريبات المتعلقة بالوضع اللبناني، التي خرجت أخيراً، ليست أكثر أو أقل من «استنتاجات مبنية على تمنيات»؛ فلبنان لم يكن «أساسياً في جدول الزيارة» التي ارتبطت بـ«ما يُعدّ له (مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج) ميتشل»، ما يشير إلى «وجود قناة سورية ـــــ فرنسية» تتعلق بالشرق الأوسط ليست مرتبطة فقط بلبنان.
أما في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، فتسعى باريس بقوة كي تستخدم دمشق «كل ما تملكه من تأثير» لدفع «حماس» نحو «إنهاء الانشطار الفلسطيني»، بحسب تعبير المصدر، للوصول إلى رفع الحصار عن غزة وإعادة دفق المساعدات المالية لإنقاذ الوضع الإنساني الذي بات، بحسب أكثر من مصدر، «لا يمكن القبول به».
يفسّر كل هذا ما «قاله أو لم يقله ساركوزي لنتنياهو» ضمن مناورات دبلوماسية وصفت بـ«الشاملة»، يقودها «رأس البلاد ساركوزي» عبر إيفاد مبعوثيه الشخصيين، لما لها من أهمية كبرى يمكن أن تنعكس على دور فرنسا في المنطقة خصوصاً وأمنها عموماً.