أرنست خوريتفاعلت قضيّة إطلاق سراح العقيد التركي دورسون جيجيك، المتهم بإعداد «خطّة إنهاء الحالة الإسلامية» في تركيا، الذي لم تدم مدة اعتقاله لدى القضاء المدني أكثر من 18 ساعة. وانحصرت الانتقادات في حلقة الصحافة ومنظمات المجتمع المدني؛ فقد فضّلت أحزاب الموالاة تجاهل الأمر القضائي، تحاشياً لتصعيد مع العسكر، كما قررت أحزاب المعارضة، المؤيّدة لدور الجيش في السياسة، عدم التهليل لإطلاق سراح جيجيك، بهدف عدم إحراج الجيش أيضاً، وهو الذي خرج قائده إلكر باسبوغ قبل يومين من اجتماعه مع رئيسي الجمهورية والحكومة باتفاق مبطّن ينص على ترك الأمر لتنسيق القضاءين المدني والعسكري، وخصوصاً أنّ البرلمان التركي أقرّ يوم الجمعة الماضي قانوناً يتيح للقضاء المدني محاكمة عسكريين في زمن السلم.
كذلك فإنّ قضية «خطة الانقلاب» هي الميدان الأول لتطبيق القانون الجديد، وتتطلب قدراً كبيراً من التنسيق بين القضاءين، لأنّ حزب «العدالة والتنمية» لا يزال مصراً على إبعاد نزاعه مع مؤسسة الجيش عن مواجهة «كسر عظم».
وشهدت باحة محكمة بيشيكتاش في إسطنبول، أمس، تظاهرة ساخرة لمنظمة «شباب مدنيون»، حمل المشاركون فيها لافتات اقترحت إدخال اسم قاضي محكمة الجرائم العليا الذي برّأ جيجيك، فائق سابان، في كتاب الأرقام القياسية «غينيس»، وذلك لأنه «أسرع قارئ في العالم»؛ فسابان أطلق سراح العقيد في القوة البحرية التركية بعدما رأى أنّ الأدلة التي أوقف بناءً عليها (مجموعة هائلة من الوثائق المكتوبة وأشرطة الفيديو والتسجيلات الصوتية) «غير كافية لتوقيفه». أدرك القاضي أن الأدلة غير كافية بعدما اطّلع على جميعها في أقل من ساعتين فقط، في دولة تُعَدّ من بين الأبطأ من حيث سير عجلة القضاء فيها.
وقال المتحدث باسم «شباب مدنيون»، هايري إنشي، بأسلوب ساخر، إنّ سابان «يستحق فعلاً دخول كتاب غينيس كأسرع قارئ في العالم، وهو شرّف تركيا، شأنه شأن رياضيّينا الذين يحققون نتائج ممتازة في دورة الألعاب الأولمبية للدول المتوسطية» (الجاري تنظيمها حالياً في إيطاليا). وأشار إنشي، بسخريته نفسها، إلى أنّ جيجيك أوقف بعد تحريات وتحقيقات دامت 18 يوماً، وأفرج عنه القاضي بعد ساعتين من اطلاعه على الملف، واصفاً ذلك بأنه «أهم ترجمة لسرعة جهازنا القضائي».
وشكّكت معظم الصحف غير المتحمّسة للعسكر في سرعة الجهاز القضائي التركي؛ فقد أفردت «توداي زمان» تقارير عديدة تقارن بين عدد الدعاوى القضائية النائمة في الأدراج منذ سنوات وعدد الموقوفين من دون اتهام في السجون، والساعات الـ18 التي كانت كافية لإطلاق سراح جيجيك.
حتى إن المدّعي العام السابق، رشاد بيتيك، شكّك في الأمر القضائي، مشدداً على أن إطلاق سراح العقيد في الجيش «لا يعني أنه غير مذنب». وأعرب عن قلقه من تأثير القضاء العسكري على قرار سابان، نظراً إلى أنّ تحرير جيجيك جاء بعد يوم واحد من انعقاد اجتماع «مجلس الأمن التركي».
بدوره، رأى المحلل السياسي لصحيفة «يني شفق»، علي بيرم أوغلو، أنه رغم إطلاق سراح جيجيك، فإنّ «الأكيد هو أنّ نفوذ الجيش في السياسة التركية في مسار انحداري».