تعاني شعوب البلدان الفقيرة جرّاء ارتفاع أسعار المواد الطاقة. والمؤسف هو أنّ تلك الشعوب عالقة بين مطرقة البلدان المصدّرة، التي تريد أعلى الأسعار، والسوق التي يتحكّم فيها بعض الأحيان تاجر واحد
في جلسة تداول النفط في بورصة لندن يوم الثلاثاء الماضي، سجّل سعر برميل مزيج «برنت» أعلى مستوى له خلال العام الجاري وبلغ 73.5 دولاراً، مرتفعاً 2.5 دولار خلال ساعة واحدة. السبب «تاجر غبي أو شرّير» راهن رهاناً كبيراً في السوق فكبّد شركته «PVM Oil Associates» خسارة بلغت 10 ملايين دولار. الشركة هي الأكبر عالمياً في سمسرة العقود النفطيّة، وهي قالت في بيان أصدرته أوّل من أمس، إنّها وقعت «ضحيّة تداول غير قانوني». ونتيجة لذلك التداول اضطرّت إلى حسم العديد من عقودها الآجلة على خسارة.
والمثير في القضيّة هو أنّه على الرغم من أنّ الشركة قالت إنّها أبلغت سلطة الرقابة على الأسواق الماليّة في بريطانيا عن «المأساة»، إلّا أنّ لجنة الرقابة على تجارة العقود الآجلة في الولايات المتّحدة قالت إنّها «أُبقيت في الظلام»، وفقاً لما نقلته صحيفة «فايننشال تايمز»، لساعات عديدة، أي لا أحد أطلعها عمّا حدث لدرجة أنّ البعض أصبح يطرح إمكان حدوث «حدث جيوسياسي ضخم» أدّى إلى هذا الارتفاع القياسي في سعر الوقود الأحفوري. ويشرح تجّار النفط في لندن ونيويورك، حيث يُتداوَل برميل الخام الخفيف، الحدث بالقول إنّ «التداول غير المسموح به» هو ما دفع إلى ارتفاع الأسعار في الساعات الأولى من جلسة الثلاثاء وخلق ضياعاً لدى البعض لأنّه خالف كلياً الأعراف التي يجب أن تسير على أساسها السوق، وخصوصاً في ساعات التداول الأولى وفي ظلّ غياب الأحداث الدراماتيكيّة مثل تلك التي تطرأ على مناطق النزاعات القريبة من البلدان المنتجة للنفط أو الموجودة فيها.
وللدلالة على تأثير عمليّة «الاحتيال» أو «التداول الشرير»، يمكن ملاحظة أنّه خلال الساعة التي ارتفع فيها السعر بأكثر من دولارين، تمّ تبادل عقود نفطيّة لأكثر من 16 مليون برميل، أي ما يمثّل ضعف إنتاج السعوديّة، المصدّر الأوّل للنفط عالمياً، وأكثر بكثير من كميّة الـ500 ألف برميل التي تُتَداوَل في العادة في ذلك الوقت من الجلسة.
وأشارت أوساط السوق إلى أنّ «التاجر الشرير» الذي قالت الصحيفة البريطانيّة إن اسمه ستيف بيركينز، سيطر على نصف الكميّات المتداولة، وبالتالي على النشاط التجاري، وحاول الآخرون اللحاق، لكن كانوا متأخّرين. ومع هدوء الأسواق تراجع السعر بنسبة 10 في المئة يوم الخميس الماضي، مقارنة بالقمّة التي سجّلها في جلسة الثلاثاء.
كذلك يقول التجّار أنفسهم، وفقاً لما نقلته التقارير الإعلاميّة الغربيّ، إنّ بيركينز كان تاجراً متمرّساً وله مكانته في السوق. واللافت هو أنّ مدير شركته «PVM»، دايفيد هافتون، وجّه في الفترة الأخيرة نقداً لاذعاً للمضاربين في الأسواق، واصفاً بعض عمليّات التبادل بأنّها «كازينوات نفط إلكترونيّة». وتعدّ عمليّة الاحتيال هذه، أو ما يسمّى «إيهام السوق»، الثانية التي تسجّل خلال العام الجاري بعدما أخفى مضارب لدى مصرف «مورغان ستانلي» خسائر كبّدها لشركته جرّاء تداول العقود تحت تأثير الكحول.
وتأتي هذه العملية، بينما تسعى السلطات حول العالم إلى زيادة رقابتها على الأسواق الماليّة التي تكونت فيها فقاعة الرهون العقاريّة وأدّت إلى أسوأ ركود منذ الحرب العالميّة الثانية.
(الأخبار)