خاص بالموقعبول الأشقر
مثّلت نتائج الانتخابات النصفية في المكسيك، قبل يومين، صفعة كبيرة للرئيس فيليبي كالديرون، يُتوقَّع أن تترك آثاراً عميقة على السنوات الثلاث الباقية لولايته. وقد حقّق حزب «الثورة المؤسساتية» (الـ «بري»)، الذي حكم المكسيك خلال سبعة عقود متتالية في القرن الماضي، قبل أن يزيحه الرئيس فيسينتي فوكس عام 2000، انتصاراً مدوّياً عندما استطاع أن يحصل على الغالبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب الخمسمئة بالتحالف مع حزب البيئيّين الخضر.

وبانتظار النتائج الرسمية التي كان من المتوقع صدورها، أمس، ومعها التوزيع النهائي للمقاعد (300 مقعد توزع بالاقتراع الأكثري و200 بالاقتراع النسبي)، بدأت عملية تصفية الحسابات في صفوف التنظيمات الخاسرة، وتحديداً في حزب الرئيس كالديرون، «العمل الوطني» اليميني، الذي تراجعت كتلته البرلمانية من أكثر من 200 نائب إلى أقل من 150، إضافةً إلى حزب «الثورة الديموقراطية» اليساري، من 125 نائباً إلى أقل من سبعين. وعوّض الـ«بري» هزيمته التاريخية التي مني بها قبل ثلاث سنوات، حين حلّ ثالثاً بسبب أداء مرشحه الرئاسي السيّئ. ويقدَّر أن ينال الـ «بري» مع حليفه البيئي، بين 260 و280 نائباً.

وعلى هامش اللعبة البرلمانية، تميزت الانتخابات الأخيرة، بمشاركة مقبولة مقارنةً بما تشهده الانتخابات الجزئية عادةً، إذ لامست الـ 45 في المئة من الـ 77 مليون ناخب.

وقبيل الاقتراع، ساد تخوف كبير من أن تقترب نسبة المقاطعة من عتبة الـ70 في المئة. غير أنّ المشاركة تخطّت هذه المرة النسبة التي تحقّقت قبل 4 سنوات، عندما استقرت على 41 في المئة.

أما الظاهرة الثانية اللافتة، فكانت الحملة التي خاضها عدد من المثقفين بهدف حثّ المواطنين على التوجه إلى الصناديق، وإلغاء أصواتهم في تظاهرة «تنديد بأداء جميع الأحزاب السياسية» (خيار شبيه بالورقة البيضاء). وقد التزم بهذا الخيار أكثر من 5 في المئة من الناخبين (1،8 مليون صوت)، وهو الخيار الذي حلّ خامساً بعد الأحزاب الكبيرة الثلاثة والحزب البيئي (مليوني صوت). ويرى البعض أن هذا الخيار، يخفض المشاركة الفعلية إلى ما دون عتبة الـ 40 في المئة.

ولم يكن مستغرباً أن ينال الـ «بري» 12،5 مليون صوت، فهو تقليدياً، يتمتع بضخامة ماكينته الانتخابية المنتشرة في جميع الولايات، بعيداً عن الشخصنة، وهو ما دفع بالمكسيكيين إلى تسمية هذا الحزب بـ «الديناصور».

وإضافةً إلى الأكثرية النيابية، فاز الـ «بري» بخمس من أصل ست حاكميات ولايات نُظمت فيها انتخابات، ولم يخسر إلا في ولاية سونورا التي تمثّل الجبهة الأمامية للحرب ضد المخدّرات، حيث خسر الحاكمية لأنه عُدّ مسؤولاً عن مصرع أكثر من 40 طفلاً في حريق دار حضانة قبل فترة.

وفور صدور النتائج الأوّلية، قالت رئيسة الحزب الفائز بياتريس باريديس «تعلّمنا من أخطائنا، وقررت المواطنية أن تمنحنا فرصة جديدة». وإذا كان الـ «بري» يؤدي تقليدياً دور «بيضة القبان» في المجلس المثلّث الذي تنتهي ولايته بعد شهرين، ويتحكم في الأجندة التشريعية، فإنّ المراقبين يجمعون على أنه سيكون الآن سيّد اللعبة: إما يفرض شروطه، وخصوصاً في الأمور الاقتصادية ويهمّش الرئيس كالديرون، أو يعرقل مشاريع هذا الأخير، ويراكم قوته على قاعدة تدهور الوضع الاقتصادي، وبالتالي يقوّي رصيده استعداداً للانتخابات الرئاسية. ويبدو أن الـ«بري» سيتمتع في الانتخابات المقبلة، بمرشح قوي هو حاكم ولاية مكسيكو إنريكي بينيا نييتو.

بدوره، لم يتأخر الرئيس كالديرون بالاعتراف بالهزيمة وبإبداء استعداده «للتحاور والعمل معاً من دون التوقف عند الولاءات الحزبية». أما رئيس حزبه «العمل الوطني» (8،5 ملايين صوت) خرمان مارتينيز، فقدم استقالته، معترفاً بأنه «يتحمل مسؤولية الهزيمة بالجملة وبالمفصل». إلّا أنّ المراقبين وعدداً من قادة الحزب رأوا أن الاستقالة تهدف إلى حماية كالديرون الذي أصرّ على التحكّم في اختيار المرشحين وتسخير الحزب للدفاع عن الحكومة، وحصر دعايته في تأييد الرئيس في حربه على الجريمة المنظمة، فيما «المواطنية كانت توّاقة لتسمع رأينا وخططنا في الوضع الاقتصادي المتردي».

وتعاني المكسيك، بسبب ارتباطها العضوي بالولايات المتحدة اقتصادياً، من ناحية التصديرات والتحويلات المالية والسياحة، أسوأ أزمة اقتصادية منذ أكثر من خمسين عاماً، حتى إن ناتجها القومي سجّل انخفاضاً بنسبة 6 في المئة خلال الفصل الأول من العام الجاري، وتخطت نسبة البطالة عتبة الـ 20 في المئة.

وعلى صعيد اليسار المكسيكي، فهو يعاني أزمة عميقة منذ رفض مرشحه لوبيز أوبرادور التسليم بهزيمته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة «المزوّرة». رفضٌ دفعه إلى الانكباب، منذ ثلاث سنوات، على مقاطعة المؤسسات الدستورية، فيما الاتجاه المعتدل في «حزب الثورة الديموقراطية» (4 ملايين صوت) يريد أن يشارك بفعّالية أكبر في الحياة السياسية.

وقد خسر أوبرادور قيادة حزبه، بعد خلاف دام أشهراً، وحسمته المحاكم، فصار يعمل مع الموالين له، ومع حزبين متحالفين معه (مليوني صوت للحزبين معاً)، وقد قدموا في عدة دوائر، مرشحين منافسين لـ«الثورة الديموقراطية».

وردّاً على سؤال بشأن نتائج الانتخابات، كشف رئيس الحزب خيسوس أورتيغا أنه لا ينوي الاستقالة رغم الهزيمة، مشيراً إلى أنّ «الذين أيّدوا أحزاباً أخرى سيُطردون»، فيما شدّد أوبرادور على أنه «باقٍ في الحزب»، حتى إن أصواتاً عديدة من داخل الحزب بدأت ترتفع مطالبةً بحركة «إعادة تأسيس».

وإزاء التشنج والاستقطاب، ورمي التهم المتبادلة في صفوف اليساريين، يرى المراقبون أن أمل اليسار الوحيد في الرئاسيات المقبلة، بات يكمن في ترشيح حاكم العاصمة الفدرالية، مارسيلو إبرارد، الذي نجح على الأقل بالمحافظة على أكثريته.