اعترف بروسيا «دولة عظمى» ودعاها إلى «شراكة عالميّة» في مواجهة إيران وكوريا الشماليّةأقل ما يمكن قوله عن لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، إنه لقاء قمّة، جمع شخصيتين مثيرتين للجدل، وكان جديده العودة بالعلاقات إلى النقطة الصفر...إيجابياً
احتلّ لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، واجهة وسائل الإعلام والمحللين السياسيين؛ فأوباما يقابل «قيصر» القرن الحادي والعشرين، أو «أقوى شخصية سياسية في البلاد»، كما وصفه سيد البيت الأبيض، وربما هو «الذئب» الذي يُخشى من تأثيره اللامرئي على الرئيس الأسمر ذي «الكاريزما» القوية. حتى إنه يمكن القول إن لقاء بوتين طغى على «تاريخية» زيارة أوباما إلى روسيا.
وكما جرى أمس، طعّم بوتين جلسته الصباحية مع أوباما بفطور من الأطعمة الروسية الشعبية، شمل السمك المدخن على الطريقة الروسية والفطائر والبيض بالكافيار الأسود ومربى من التوت البري. خاطب الرئيس الأميركي رئيس الوزراء الروسي قائلاً: «أنتظر حديثاً ممتعاً ومفيداً جداً»، فرد عليه الأخير قائلاً: «وفطوراً جيداً أيضاً. لقد أعددنا لكم فطوراً على الطريقة الروسية».
ولم يكتف أوباما بوصف بوتين بالشخصية الأقوى، بل أضاف: «أنا أدرك ليس فقط العمل غير المعتاد الذي قمت به بالنيابة عن الشعب الروسي خلال دورك السابق كرئيس للوز.. عفواً.. كرئيس، وأيضاً من خلال دورك الحالي كرئيس للوزراء».
ورافق هذه الودية بين الزعيمين عزف لفرقة مقطوعات موسيقية شعبية، قبل أن يعلن بوتين أنه «يعتمد على أوباما لتحسين العلاقات الروسية ــــ الأميركية»، قائلاً: «نحن نربط اسمك بالآمال بتطوير علاقاتنا». وانتهى الفطور بلقاء «ناجح جداً»، كما قال مسؤولون أميركيون.
وقال مساعد بوتين، يوري يوشاكوف، إن «أوباما وعد بأن يضع في الاعتبار وجهة نظر روسيا بشأن علاقتها مع جورجيا وأوكرانيا»، بعدما كان رئيس الوزراء الروسي قد أشار إلى «أهميتهما بالنسبة إلى روسيا».
أما القسم البارز الآخر من اليوم الثاني لزيارة أوباما إلى روسيا، فتمثل في خطابه أمام المدرسة الاقتصادية الجديدة، حيث لعب على وتر التناقضات من خلال الإشارة إلى أهمية ترسيخ دور روسيا العظمى، محاولاً التخفيف عنها في ما يتعلق بالدرع الصاروخية الأميركية، والتطرق إلى دور الديموقراطية في استمرار الدول من جهة أخرى.
ودعا أوباما المجتمع الروسي إلى «العودة بالعلاقات إلى النقطة الصفر وتجاوز المفاهيم القديمة للعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا»، قائلاً: «ينبغي أن يكون هذا الأمر أكثر من بداية جديدة بين الكرملين والبيت الأبيض». وعرض رؤيته للمستقبل أمام من يمثلون «الجيل الأخير الذي ولد يوم كان العالم منقسماً»، معرباً عن «احترامه العميق لإرث روسيا العريق». وإذ أشاد بالتضحيات السوفياتية إبان الحرب العالمية الثانية، حرص على «ألا يكون في موقع من يعطي الدروس لموسكو».
في المقابل، تجاوب أوباما مع الأصوات التي طالبته بعدم تجاهل القضايا التي تثير الاستياء، داعياً إلى «احترام قواعد الديموقراطية». وحض الحكومة الروسية على «مكافحة الفساد في الاقتصاد واحترام سيادة الجمهوريات السوفياتية السابقة، وفي مقدمها جورجيا وأوكرانيا».
وفي هذا الإطار، أوضح أوباما أن «مسار التاريخ يظهر لنا أن الحكومات التي تعمل في خدمة الشعب تستمر وتزدهر، لا الحكومات التي لا تخدم سوى قوتها الخاصة»، مضيفاً «إن الحكومات التي تمثل رغبة شعوبها تقلل من خطر الانهيار وإرهاب مواطنيها أو شن الحرب على الآخرين. والحكومات التي تشجع على احترام دولة القانون وتسمح بوجود مؤسسات مستقلة هي شريكة تجارية أكثر صدقية».
وأكد أوباما أنه «كما أنّ من حق الدول أن تختار قادتها، فإن من حقها أن تعيش داخل حدود آمنة، ومن حقها أن تمارس سياستها الخارجية الذاتية». وأضاف: «لتكن الأمور واضحة منذ البداية: أميركا تريد روسيا القوية والمسالمة والمزدهرة». وإذ عرض العديد من القضايا التي تمثل مصالح مشتركة، من التصدي لانتشار الأسلحة النووية إلى البيئة، دعا روسيا إلى «الانضمام للجهود الأميركية بهدف مواجهة التحديين النوويين الإيراني والكوري الشمالي»، مؤكداً أن «كل هذه التحديات تستدعي شراكة عالمية».
ورأى أوباما أن العودة بالعلاقات بين واشنطن وموسكو إلى النقطة الصفر «لن تكون أمراً سهلاًَ»، معلناً أن «روسيا يجب أن تمارس في العالم دور دولة عظمى». وتابع: «لقد ولى الزمن الذي كانت فيه الإمبراطوريات تريد التحكم في الدول ذات السيادة مثل بيادق في لعبة شطرنج».
وإلى منظومة الدرع الصاروخية الأميركية، قال أوباما إن «المنظومة ستفقد معناها في حال تخلي إيران عن برامجها النووية العسكرية»، مؤكداً أن هذه «المنظومة موجهة نحو التصدي لهجمات من جانب إيران وكوريا الشمالية».
من جهته، نبه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن نشر الدرع الصاروخية «سيؤدي إلى إعادة النظر في التقليص المقبل للترسانتين الاستراتيجيتين للبلدين».
(الأخبار، يو بي آي، أ ف ب)