الاتفاق على إتمام محادثات الدوحة ومواجهة الحمائية والالتزام بالسوق الحرّةحسن شقراني
خصّص زعماء مجموعة الدول الصناعيّة العظمى (جي 8) اليوم الثاني من قمّتهم المعقودة في لاكويلا للحوار مع البلدان النامية. المسألة لم تكن خياراً بقدر ما أصبحت واقعاً يفرض نفسه على البلدان العظمى. ففيما أصوات البلدان الناشئة ترتفع لتحقيق الشراكة، تظهر ضغوط مماثلة من المعسكر الصناعي وأبرزها من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل.
موضوع النقاش الأساسي في البلدة الإيطاليّة كان التجارة. فجولة الدوحة من محادثات التجارة العالميّة عالقة منذ عام 2001، والسبب خلافات جذريّة على فتح الأسواق أمام السلع والخدمات. خلافات أدّت، في جولة المحادثات الأخيرة التي دعا إليها الأمين العام لمنظّمة التجارة العالميّة باسكال لامي، إلى نوع من اليأس مع ارتفاع حدّة التوتّر بين المعسكرين.
يوم أمس شهد انفراجاً مرتقباً، إذ التزم الجميع بضرورة الوصول إلى حلّ لهذه المسألة بحلول العام المقبل. قد يكون هذا الاتفاق شكلياً و«تقبيلاً للحى» مثلما هي الحال مع معظم القمم الدوليّة، وفقاً لتعبير صحيفة «فايننشال تايمز»، لكن هذا الاتفاق سيمثّل أساساً لمحادثات مجموعة العشرين التي تستضيفها مدينة بيتسبورغ الأميركيّة في وقت لاحق من العام الجاري.
المجتمعون شدّدوا أيضاً على ضرورة مواجهة الحمائيّة والالتزام بالسوق الحرّة. وهذه الدعوة تتصاعد منذ بداية العام الجاري، عندما بدأت البلدان المختلفة تخطّ إجراءات التحفيز لمواجهة الركود. فالولايات المتّحدة على سبيل المثال أفردت بنداً خاصاً في خطّة الـ787 مليار دولار، بعنوان «اشتر البضائع الأميركيّة»، الأمر الذي أثار سخطاً كبيراً من الشركاء الأوروبيّين، حتّى من الجار الشمالي كندا الذي يعتمد على «أميركا في الاستهلاك الواسع» لتصريف منتجاته.
التزام آخر تحدّث عنه المجتمعون في لاكويلا، المنكوبة بزلزال ضربها أخيراً، فيما إيطاليا كلّها منكوبة بالممارسات الفضائحيّة لرئيس وزرائها سيلفيو بيرلوسكوني، وهو عدم السعي إلى الخفض المتعمّد لأسعار صرف العملات الوطنيّة بهدف التمتّع بأفضليّة تجاريّة.
وفي هذا الصدد وجّهت وزيرة الاقتصاد الفرنسيّة، كريستين لاغارد، انتقاداً لاذعاً إلى بريطانيا عندما قالت إنّ لندن لم تقم بأيّ خطوة لاحتواء تدهور سعر الجنيه الإسترليني أمام اليورو منذ بداية العام الجاري.
تجدر الإشارة إلى أنّ «حرب العملات» سيطرت على البيئة التجاريّة الكونيّة في ثلاثينيّات القرن الماضي، وعدّت أساساً لتفاقم الأزمة الاقتصاديّة التي تبعت الانهيار المالي في عام 1929، ما أدّى إلى نشوء بذور الكساد العظيم.
وفي موضوع الاستقرار النقدي العالمي، لم تترك الصين المناسبة من دون التذكير بأهميّة التوجّه نحو تنويع نظام الاحتياطي النقدي العالمي، وفقاً لما نقلته التقارير الإعلاميّة عن مسؤول صيني.
والتوجّه صوب نظام متعدّد الأقطاب نقدياً هو نتيجة لتعاظم نفوذ البلدان النامية، التي تقود معركتها المسمّاة «الالتفاف على الدولار» البرازيل والصين وروسيا والهند.
وتعاظم النفوذ يكون على الصعيد الاقتصادي والنظمي، وهنا يمكن الإشارة إلى أنّ انطلاق التغيير الهيكلي عملياً في عمليّة صناعة القرار الاقتصادي، وبالتالي السياسي، تبلور بعد انفجار الأزمة الماليّة العالميّة كلياً وتحوّلها إلى ركود لم تفلت منه الاقتصادات المتقدّمة والنامية. فالمؤشّرات الماكرو اقتصاديّة والأرقام المبسّطة كانت قد بدأت تشير منذ فترة ليست وجيزة إلى أنّ نمور بداية الألفيّة الثالثة هي تلك البلدان الناشئة، وفي مقدمتها الصين والبرازيل وروسيا والهند.
تلك البلدان كانت تسجّل في السنوات الأخيرة معدّلات نموّ تفوق 10 في المئة، فيما البلدان الصناعيّة تعاني من الإشباع النسبي في الأسواق. لذا فإنّ المجموعة النامية كانت قاطرة للاقتصاد العالمي بهوامش واسعة، ودورها الآن يزداد أهميّة. وأبرز مثال على ذلك هو أنّ معدّل انكماش الاقتصاد الكوني خلال العام الجاري يبلغ 1.3 في المئة وفقاً لتوقّعات صندوق النقد الدولي، فيما الاقتصادان الصيني والهندي سينموان بنسبة 6.4 في المئة و5.5 في المئة على التوالي. ومن الصعب جداً التخيّل في ظلّ موجة الركود الحاد، حالة الاقتصاد العالمي من دون هذه النتائج الإيجابيّة نسبياً التي سيسجّلها العملاقان الآسيويّان.
لهذه الأسباب، وأخرى كثيرة، تتعلّق بكيفيّة إدارة النظام الكوني بكل إحداثيّاته، أضحت قمّة مجموعة الثماني قمّة تجمع البلدان الصناعيّة والنامية، بعدما كُلّفت مجموعة البلدان العشرين صاحبة أكبر الاقتصادات عالمياً دراسة تطبيقات عمليّة النهوض من الركود. ومثّلت قمّتها التي استضافتها بريطانيا في نيسان الماضي محطّة أولى لهذه العمليّة بعدما كان الرئيس الأميركي جورج بوش قد استضاف قمّة أولى في خريف عام 2008 غداة اندلاع الهلع في الأسواق الماليّة بسبب إفلاس مصرف «Lehman Brothers».