انتهى اليوم الأول من المفاوضات في كوستاريكا بين الرئيس الهندوري المخلوع مانويل زيلايا والرئيس الانقلابي روبرتو ميتشيليتي من دون أن يلتقي الرجلان وجهاً لوجه، ومن دون حتى أن يسلّم وفداهما بضرورة التفاوض بل «فقط التحاور»بول الأشقر
لم يتوجّه رئيس كوستاريكا، أوسكار أرياس، أول من أمس، إلى القصر الجمهوري في العاصمة سان خوسيه كما يفعل كل يوم، بل التزم منزله لإعداد سيناريو «الاجتماع الهندوري». المهمة صعبة لدرجة أنه كان على الرجل العودة بالذاكرة إلى عقدين من الزمن، ليرتدي بزّة الوسيط من جديد، وهو ما فعله خلال ولايته الرئاسية الأولى للإسهام في وضع الأسس للتسويات التي سمحت بوضع حدّ للنزاعات التي كانت تمزق دول أميركا الوسطى. حقّق نجاحاً كبيراً في تلك الحقبة سمح له بنيل جائزة «نوبل» للسلام.
وفي مهمته الحالية، استنفر أرياس أقرب معاونيه، بدءاً من شقيقه رودريغو (الوزير الأول بين وزرائه)، مروراً بوزير خارجيته برونو ستاغنو، وصولاً إلى صديقه جون بيل، مستشاره في مفاوضات الثمانينات.
وقبل أسبوع، حاول الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية خوسيه ميغيل إنسولزا شق طريق هذه التسوية، ولكنه اصطدم برفض قاطع من قوى الأمر الواقع، وبقي تقديره على حاله: «هناك فسحة واسعة للوصول إلى تسوية، ولكن العثرة تبقى في إقناع قوى الأمر الواقع بقبول عودة الرئيس الشرعي».
ولئلا يصطدم أرياس بالحائط نفسه، اختار منزله مكاناً للتفاوض. سبب الاختيار برّره الرئيس بأنّ الفيلا «مسهّلة»: تقع في حي السفارات. الجو فيها منشرح، كما أن الطرقات المحيطة مقطوعة أمام العموم، ويؤمن 150 عنصر أمن أعزل، حماية المناسبة الدبلوماسية.
هذه هي كوستاريكا، الدولة التي حلّت جيشها قبل ستين عاماً بعد انتهاء الحرب الأهلية. ولم تخترق هدوء الحي، إلا تظاهرة من بعض المئات ممّن أتوا ليعبّروا عن «خزيهم كمواطنين، بأن يستقبل الرئيس أرياس في منزله مجرماً مثل ميتشيليتي».
رغم كل شيء، وُجِّهَت الدعوة لبدء المفاوضات ظهراً. وفي الموعد المحدَّد، استقبل أرياس، نظيره زيلايا الموجود في كوستاريكا منذ يومين. وصل مع وفده وهو يرتدي قبعة «الكاوبوي» التي صارت تميّزه. تواصل الاجتماع لساعتين، وعلى أثره، خرج زيلايا مبتسماً واكتفى بالقول: «أعتقد أننا كنا متماسكين مع موقف هندوراس: عودة دولة القانون والديموقراطية وعودة الرئيس غير المشروطة كما تطالب منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأميركية»، قبل أن يتوجه إلى الفندق حيث انتظر اتصالاً من الرئيس أرياس.
دقائق بعد خروج زيلايا، وصل ميتشيليتي محاطاً بأعضاء وفده. في الواقع، كان موجوداً في المطار منذ ثلاث ساعات، وكان يريد أن يجتمع بأرياس هناك، ثم رفض الخروج منه من دون «ضمانات أمنية». شروط دفعت بكل من شقيق الرئيس ووزير خارجيته إلى التوجه إلى المطار لمواكبته إلى الفيلا الرئاسية. دام الاجتماع ساعتين أيضاً، ليكشف ميتشيليتي بعده أنه عائد إلى عاصمة بلاده تيغوسيغالبا لينتظر من هناك اتصالاً من الرئيس أرياس «المشكور»، فيما الوفد الذي يرافقه باقٍ في سان خوسيه لعقد «الاجتماعات الضرورية». هكذا حلّت الخيبة الأولى على أرياس والإعلام العالمي، الذي كان ينتظر مصافحة بين الرجلين، أو على الأقل أن يراهما وجهاً لوجه.
ليلاً، عقد الوفدان اجتماع عمل أصرّ الطرفان على القول إنه كان لـ«التحاور لا للتفاوض». «لا تفاوض على عودة الرئيس زيلايا»، قال وفد الرئيس الشرعي. «الدستور ليس موضوع تفاوض» علّق وفد الأمر الواقع. «بدأ الحوار، وهم يتبادلون الآراء باحترام» اكتفت بالقول وزارة الإعلام الكوستاريكية.