خاص بالموقعبول الأشقر
أشرف رئيس البيرو آلان غارسيا، أمس، على قسم اليمين الذي أدّاه رئيس الوزراء خافيير فيلاسكيز من حزب «أبرا» الحاكم، ووزراؤه الجدد، بعد استقالة رئيس الوزراء يهودي سيمون، على أثر المواجهات التي أدت إلى وقوع عشرات القتلى من جنود وهنود من المنطقة الأمازونية في الشهر الماضي.

وخيّب تأليف الحكومة الجديدة، التي حملت شعار «النظام والحوار»، آمال الحركات الاجتماعية، لأنه يمثّل إعادة تمركز السلطة في أيدي غارسيا وحزب «أبرا».

وفي نهاية السنة الماضية، عيّن غارسيا السياسي المستقلّ سيمون على رأس الحكومة، في محاولة لتحويل الأنظار عن فضيحة الرشاوى النفطية التي تورط فيها أقرب معاونيه، ومنهم رئيس الوزراء السابق ديل كاستيللو.

وكانت الخطوة ذكية، إذ إن سيمون معروف بنزاهته وبقدرته على التحاور، وفي الوقت نفسه باستقلاليته عن غارسيا، الذي كان يعاني من انهيار مقلق في شعبيته. إلا أن اللعبة لم تكن كافية، لأن الرجل لم يتمتع بهامش من المناورة الكافية في حكومة بقي للرئيس اليد الطولى فيها.

وبعد وقوع المواجهات التي تحوّلت إلى مجازر الشهر الماضي، عندما انتفض هنود الأمازون على القرارات التي فتحت أراضيهم لعمليات تنقيب نفطية ومعدنية من دون استشارتهم، أعلن سيمون نيته الاستقالة. ووعد باستغلال الوقت الباقي لإعداد الطريق لخلَفه، من خلال إعادة الطمأنينة وفتح أطر الحوار. وهكذا فعل، وجال البلد بطوله وعرضه، وألّف لجان تحاور في المناطق ومع القطاعات، فضلاً عن إلغاء القرارات التي كانت شرارة إطلاق الانتفاضة التي تحوّلت إلى مجزرة.

وقدّم سيمون استقالته رسمياً، الأسبوع الماضي، إثر حملة إضرابات جديدة أدت إلى إقفال جميع مدن منطقة جبال الأندس، ومنها أريكيبا ثاني مدينة في البيرو، فيما بقي التعطيل جزئياً في العاصمة ليما وفي المناطق المجاورة.

وكانت «جبهة الدفاع عن الحياة والسيادة»، التي تأسست بعد وقوع المجزرة لتجميع الحركات النقابية والشعبية، قد دعت إلى التحرك الأخير. كذلك شاركها في هذه الدعوة الحزب القومي، الذي يترأسه أوينتا هومايا، خصم الرئيس غارسيا في الانتخابات الأخيرة.

وتتركز مطالب هومايا على استقالة الحكومة وتغيير السياسة «النيوليبرالية» وإلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، والدعوة إلى جمعية تأسيسية، والكف من ملاحقة الزعماء النقابيين والحركات الهندية.

بعد الوقت الضائع الذي استمر ستة أشهر، عاد غارسيا إلى مربّعه التقليدي، مختاراً خافيير فيلاسكيز. سياسي ينتمي إلى الجيل الجديد، عمره 49 سنة، من حزب «أبرا». وكان قبل تعيينه يحتلّ مركز رئيس مجلس النواب.

وفيلاسكيز، الذي نجا في شبابه من الاغتيال على يد منظمة «الدرب المضيء» الإرهابية، كان مؤمناً باللامركزية، وكان قد نقل مراراً اجتماعات المجلس إلى المحافظات في محاولة لتقريب المؤسسة من مطالب الناس. لكنه ينتمي في الوقت نفسه إلى الاتجاهات الأكثر ليبرالية، ما يمثّل تناقضاً فادحاً مع مطالب حركات الاحتجاج، التي لم تتوقف منذ تسلّم غارسيا السلطة.

كذلك تميّز خلال رئاسته للمجلس برمي مسؤولية الأحداث الأخيرة على «التحركات المشبوهة لهوغو تشافيز»، الرئيس الفنزويلي، ما لا يؤهله للحوار مع الحركات الاحتجاجية.

وتعاني البيرو من انقسام عميق يتمازج فيه العرقي والمناطقي والاجتماعي، منذ أن اختير غارسيا لسدة الرئاسة كـ«أرحم الشريّن»، لمنع وصول هومايا المصنّف «تشافيزياً».

ومع أن الحكومة الجديدة أبدت استعدادها للتفاوض، يتشكّك المراقبون في ذلك بعدما استعاد غارسيا زمام الأمور، وهو الذي أكمل ثلاثة أخماس ولايته، فيما حزبه صار له الأكثرية المطلقة في الحكومة. وتتألف الأكثرية في المجلس من تحالف بين حزب «الأبرا» الموالي والكتلة البرلمانية الفوجيمورية، التي صارت العلاقة متوترة معها بعد محاكمة زعيمها، ولذلك كوفئت بإدخال عدد من الوزراء المقرّبين منها.

ويعلّق المحلل السياسي ألبرتو أدرينسين على هذا الوضع بالقول، «دلّت حركات السنوات الأخيرة على ضرورة تغيير عميق في السياسات الاقتصادية وأيضاً في التعاطي السياسي، وأتت هذه الحكومة الجديدة لترسّخ النهج القديم، ما سيعمّق الأزمة. للأسف نحن ذاهبون إلى مزيد من الاستقطاب ومن التجذر الاجتماعي ومن القمع الحكومي. وهذه المرة سيكون غارسيا في الواجهة».

ويبدو أن البيرو لن تهدأ عن قريب والفترة الباقية من الولاية (سنتان) ستبقى حامية، فيما وصلت شعبية غارسيا إلى أدنى مستوياتها (21 في المئة).