باريس ــ بسّام الطيارةيعترف الجميع بأن فرنسا هي أقل الدول تضرراً بالأزمة المالية العالمية بين الدول الغنية، إلا أن هذا لا يمنع أنها تعاني جموداً في النشاط الاقتصادي وارتفاعاً في معدّلات البطالة على نحو لم تشهده منذ مدة طويلة. كذلك إن عدد الشركات التي تعلن إفلاسها يتزايد يومياً، ما يدفع بمزيد من العمال نحو المساعدات الاجتماعيّة التي تثقل كاهل الضمان الاجتماعي وصناديق التعويضات.
الدولة تحاول جاهدة «امتصاص» وقع هذه الإفلاسات اجتماعياً واقتصادياً في محاولة للاستفادة من «فراغ العطلة الصيفيّة وغياب التحرّكات العمالية القاسية» وذلك بإطلاق برامج إعادة تأهيل وبحث إمكانات تأسيس شركات صغيرة فردية للمصروفين مع مساعدة من صناديق دعم خاصة.
إلا أن شركات كبرى وتكتلات صناعية ترى في هذه الأزمة مناسبة لتحقيق بعض المكاسب، إما على صعيد «تخفيف وزن العمالة» وذلك بصرف عمال بحجة وجود أزمة، وإما بتحقيق ضربات استراتيجية صناعية كشراء المصانع مفلسة بأسعار زهيدة. ورغم أنّ هذا «التبضع الصناعي»، الذي يعرف ذروته في وقت الأزمات المالية لا يحل مشاكل العمال، إذ في غالب الأحيان تسعى الإدارة إلى «التخلص من عدد من العمال» بحجة الاستفادة من «التفاعل الصناعي» لتخفيف الكلفة،
غير أنه في مناسبة الأزمة الأخيرة التي أدت إلى تراجع الطلب في مختلف المجالات تبلورت لدى بعض أرباب العمل «أفكار جهنمية»، كما وصفها أحد النقابيين لـ«الأخبار». فقد بدأت بعض المصانع بوقف طلبيّاتها من متعهّدي تصنيع قطع تدخل في تصنيع موادها، أي من مصانع صغيرة ترتبط حياتها الاقتصادية بها مباشرة وحصرياً، وذلك أيضاً بحجة الأزمة المالية، أي لظروف قاهرة، ما يمنع عنها الملاحقات.
وما يحصل هو أن المصانع الصغيرة تعلن إفلاسها بعد فترة وجيزة جداً لـ«ارتباطها العضوي بطلبات مصدر واحد أو اثنين»، فيُصرف العمال وتأخذ الدولة والصناديق الاجتماعية على عاتقها تعويضات الصرف في هذه الحالة، ويعهد إلى قاضٍ بتصفية موجودات المصنع.
ولاحظت النقابات أن مشترين «يعملون لحساب المصنع الكبير»، كان «مصدر الطلبيات الأساسي»، يعمدون إلى شراء المعدات وما بقي من موجودات من مواد أولية أو ستوكات وذلك بأبخس الأثمان.
وقد تكون هذه الأفعال التي تمثّل تلاعباً على القانون من دون الخروج من أطره، وراء تغيير في استراتيجية مقاومة العمّال. إذ بعدما كان عمال المصانع في بداية الأزمة يعمدون إلى «احتجاز الإدارة والإداريين» حتى الحصول على حقوقهم قبل إعلان الإفلاس وبدء أعمال التصفية، فإن عمال مصنع «نيو فابريس» في وسط فرنسا عمدوا إلى «تلغيم المصنع» وهم يهددون بتفجيره مع معداته ومخازنه في نهاية هذا الشهر إذا لم يحصلوا على تعويضات لا يطالبون بها الإدارة، بل زبائن المصنع، وهم شركتا «رينو» و«بيجو»، الزبونان الوحيدان لمعدات الألمنيوم الداخلة في صناعة سياراتهما. وفي حديث مع «الأخبار» يقول أحد النقابيين: «لنسمح لهم بشراء مصنعنا بثمن زهيد». ويطالب العمال بـ ٣٠ ألف يورو لكل منهم. ويقول غي إيرمان، أحد ممثلي نقابة العمال العامة (سي جي تي): «إذا لم نحصل على شيء فلن يحصلوا على شيء»، في إشارة إلى التهديد بتفجير المصنع، إذ تقدر «القيمة التجارية» للمصنوعات المخزنة مليوني يورو، إضافة إلى المعدات الصناعية الثقيلة. ويتخوف العمال من أن تعمد الشركتان العملاقتان إلى شراء المخزون وتقاسم المعدات ومن ثم تعودان لتوظيف بعض العمال المصروفين في مواقعهم بمعاشات بسيطة من دون تعويضات سنوات الخدمة السابقة ومع تحفيزات من صندوق الضمان لأنهما تشغّلان عمالاً عاطلين من العمل... رغم أنهما كانتا وراء وجودهم في هذه الحالة!