نيويورك ــ نزار عبودالغزل الأميركي ـ الروسي يتقدّم أشواطاً بعد قمة موسكو الأخيرة، وكأن نزاع جورجيا حصل قبل قرون، لا قبل أقل من عام. ويبدو أنه لا مانع لدى الأميركيّين «من حصول خطبة أو حتى زواج من دون فترة خطوبة» ما دام المهر برنامجاً نووياً إيرانياً؛ فالقضية العاجلة تقضي بضرورة سلوك كل السُبل لإشراك أوسع تحالف دولي ممكن في معالجة قضية بحجم قدرات إيران النووية، وخصوصاً إذا كان الشريك من الوزن الروسي.
إبان قمة الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي ديمتري مدفيديف، في موسكو قبل أيام، صدرت تلميحات على مستوى مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة، عن صفقة يجري بموجبها التخلّي عن برنامج الدرع الصاروخية الأميركية في مقابل تعاون روسي على تعطيل مسيرة برنامج إيران النووي. أمر نفاه وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، بحزم.
لكن في مقر الأمم المتحدة في نيويورك عاد الموضوع وطُرح، خلال ندوة، على نحو أكثر صراحة على لسان وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، والحاخام الأميركي الناشط في مجال العلاقات بين واشنطن وموسكو، آرثر شنير.
الندوة حضرها مندوبون من بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان ومولدافيا وأذربيجان وتركمانستان وقيرغيزيا وطاجكستان وأوزبكستان، ونظّمها مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين. وتحدّث خلالها نجل وزير الخارجية السوفياتي الشهير أندريه غروميكو، أناتولي، الذي يعمل حالياً في إطار منظمة غير حكومية روسية تعنى بدراسة مستقبل الأمم المتحدة. فالمناسبة كانت لتمجيد الذكرى المئوية لولادة غروميكو الذي أسهم في وضع ميثاق الأمم المتحدة ومراجعة صورة العلاقة بين العدوين الحميمين في النظام العالمي المتغيّر.
وفي المناسبة، تحدث كيسنجر عن مجال التعاون مع موسكو على أهداف استراتيجية جديدة. ووصف غروميكو الأب بأنه «دبلوماسي فذّ أسهم في كتابة التاريخ من خلال تفاهمات مؤتمرات أمبرتون أوكس عام 1943، ويالطا وسان فرانسيسكو، وكلها مهّدت لتأسيس الأمم المتحدة».
وتمكن كيسنجر بفضل غروميكو من التوصل إلى اتفاقيات تاريخية كبرى مثل اتفاقية «سالت» للحد من الأسلحة النووية. وكان له أيضاً دور عظيم في احتواء الصراع في أطر الحرب الباردة وبلوغ الانفراج الدولي. وقال كيسنجر إن «غروميكو أسهم مباشرة في لجم التشنجات في الكرملين، وتقديم بدائل عملية عندما تصل الأمور إلى طرق مسدودة».
وفي تصور كيسنجر، فإن الحل للمسألة الإيرانية ممكن. إذ يقول إن روسيا والولايات المتحدة تمتلكان معاً أكثر من 90 في المئة من الأسلحة النووية في العالم، وإن التفاهم كان ممكناً بينهما حتى في أوج الحرب الباردة على مسألة منع انتشار السلاح النووي. ورأى أن هذا التفاهم لا بد أن يستمر في الظرف الراهن، إذ ليس من مصلحة الطرفين أن يحدث انتشار للسلاح النووي.
أما الحاخام شنير، رغم تذكيره بـ«تجاوزات» روسيا في مسألة حقوق الإنسان إبان الحقبة السوفياتية في إشارة إلى منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة، فقد دعا إلى المحافظة على روح التعاون بين البلدين في منع حصول دول أخرى على السلاح النووي.
لكن غروميكو الابن، ردّ موجهاً تهمة مبطنة للأميركيين على انتشار السلاح النووي في غير دولة، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط من دون أن يتطرق إلى الترسانة الإسرائيلية. وسأل الأميركيين عمّن «سمح لباكستان بإنتاج سلاح نووي»، مضيفاً أن الأمور تشير تلقائياً إلى أن حصول «قوة إسلامية سنّية» على سلاح نووي «أثار شهية قوة إسلامية شيعية لأن تحذو حذوها». وشدد على أنه ليس من مصلحة روسيا نشوء دولة نووية عند حدودها الجنوبية.