هل دفع رئيس هيئة الطاقة ثمن علاقته التاريخيّة بموسوي؟ معمر عطوي
تأتي استقالة غلام رضا آغازاده من رئاسة هيئة الطاقة الذريّة الإيرانية، ومن منصب نائب رئيس الجمهوريّة، في ظل ما تقوم به طهران من إعداد لرزمة اقتراحات دبلوماسية جديدة تتعلّق بالقضايا «السياسية والأمنية والدولية»، التي ستعرضها على المفاوض الغربي ممثلاً بمجموعة «5+1»، فيما يبدو أن الرئيس محمود أحمدي نجاد يقوم بالإعداد للمرحلة المقبلة، بعد فوزه بولاية ثانية.
ويبدو أن الاستقالة المزدوجة، التي أكدها آغازاده أمس لوكالة الأنباء الطلابيّة الإيرانيّة (إسنا) بعد عشرين يوماً من حدوثها، هي نتيجة طبيعية لتباين واضح في الرأي حول كيفية إدارة الملف النووي، حسبما يرى مصدر مطّلع لـ«الأخبار»، موضحاً أن هذا الملف تتجاذبه أربع مرجعيّات سياسيّة في البلاد، هي رئاسة الجمهورية، والمجلس الأعلى للأمن القومي، ووزارة الخارجية، وهيئة الطاقة الذريّة.

المعارضة الإيرانيّة تستعرض قوّتها في صلاة الجمعة اليوم خلف رفسنجاني
وقد تكون هذه الاستقالة في هذا الوقت بالذات، امتداداً للمواجهة القائمة بين نجاد ومنافسه الخاسر في الانتخابات الرئاسية مير حسين موسوي، وخصوصاً أن رئيس هيئة الطاقة مقرّب من الزعيم الإصلاحي، منذ عام 1979 (تاريخ انتصار الثورة). فحينها عاد آغازاده من الولايات المتحدة، حيث كان يتابع دراسته في هندسة الكمبيوتر، لينضم الى الثوّار. ثم بدأ نشاطه الى جانب موسوي في إدارة مجلة «جمهوري إسلامي». وتطورت العلاقة بين الرجلين مع تعيين موسوي وزيراً للخارجيّة عام 1980، إذ عمل آغازاده مساعداً للوزير للشؤون الاقتصادية والمالية.
وبعد أشهر من تسلّم موسوي رئاسة الحكومة عام 1981، عيّن آغازاده وزيراً للشؤون التنفيذية، مُلحَقاً بمكتب رئاسة الوزراء، ليصبح بعدها بفترة نائب رئيس الحكومة للشؤون التنفيذية المتعلّقة بالتفاوض مع الشركات الأجنبية في ملف النفط، الى أن قادته موهبته في هذا المجال، إلى تولي وزارة النفط في تشرين الأول 1985. منصب شغله حتى عام 1997.
ورغم أن آغازاده اليوم، محسوب على خط الأصوليين، بيد أن تألّقه السياسي برز في عهد الإصلاحيّين، إذ عيّنه الرئيس السابق محمد خاتمي، حين تسلّم السلطة عام 1997، نائباً لرئيس هيئة الطاقة الذريّة، التي تولّى بعد ذلك رئاستها حتى تاريخ الاستقالة.
المفارقة أن علاقة آغازاده بالمرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، شابها بعض الفتور منذ عام 2003، حين قرّر المرشد سحب ملف البرامج النووية الايرانية من يدي آغازاده، وإسناده الى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي حسن روحاني، المقرّب من رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني. إثر ذلك تعرّض آغازاده لأزمة قلبية عنيفة، بعد سماعه خبر تكليف روحاني بأمور تدخل في إطار صلاحياته ومسؤولياته. ونُقل عنه تفكيره الجدّي بالاستقالة من منصبه.
من وجهة نظر أخرى، قد تمثّل استقالة ابن منطقة آذربيجان (شمال غرب)، التي ينتمي إليها خامنئي وموسوي أيضاً، امتداداً للخلاف حول إدارة الملف النووي بين رئيس البرلمان علي لاريجاني والرئيس نجاد، الذي أدى الى استقالة لاريجاني من رئاسة أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي في خريف عام 2007. خلاف أكد شخصيّة نجاد السلطوية، ومحاولته الدائمة الاستئثار بإدارة الملفات الحسّاسة، لدرجة أنه سعى منذ تسلّمه الرئاسة عام 2005 الى الإمساك بحزم بتفاصيل الملف النووي، وعمد الى قصّ أجنحة كل من حاول التدّخل بهذا الملف، ولا سيما رفسنجاني.
في أي حال، يبدو أن الرئاسة، مدعومةً من المرشد الأعلى، هي التي ربحت معركة التجاذبات حول الملف النووي. ورست سياسة نجاد على أن البحث في هذا الملف مع القوى الكبرى «أصبح وراء ظهورنا»، وأن رزمة المقترحات الإيرانية المقبلة تقتصر على تقديم رؤية أمنية واقتصادية للعالم، لا مجال فيها لمناقشة حق إيران في تخصيب اليورانيوم. موقف بات مثار انتقادات واسعة في الوسط الإيراني، على اعتبار أن الغرب يجعل من هذا الملف قميص عثمان، لا يمكن فصله عن ملفّات أخرى هي موضوع نقاش مفترض بين طهران والقوى الكبرى، التي وإن اعترفت بأحقيّة إيران بامتلاك الطاقة النوويّة السلميّة، فإنها لن تتركها تقوم بعمليّات التخصيب على هواها لدرجة تسمح بصنع قنبلة.
لعلّ ما يصبّ في دعم هذه الفكرة تصريح رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، أمس، الذي حدّد الخطوط العريضة لاستراتيجية بلاده الجديدة بشأن الأسلحة النووية، معتبراً إيران «حالة اختبار» قبل القمة المقرّرة عام 2010 في الولايات المتحدة لمراجعة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
ويبدو أن الغزل بين طهران وواشنطن متواصل، حتى لو كان في سياق دبلوماسية التعزية بضحايا الطائرة المنكوبة، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إن «الولايات المتحدة تقدّم تعازيها لأسر من فقدوا أرواحهم في تحطم طائرة شركة خطوط قزوين الجوية اليوم (الأربعاء) التي كانت تقل ركاباً من طهران في إيران إلى العاصمة الأرمنية يريفان».

(أ ف ب)