الرموز الدينية هي حديث الساعة في فرنسا اليوم، فبعد البرقع ظهرت قضية الصلبان، التي كانت معلّقة في قاعات امتحانات الثانويّة العامة، لتثير موجة من الاعتراضات
باريس ــ بسّام الطيارة
انتهت امتحانات البكالوريا في فرنسا على نتيجة فاقت التوقعات (86.5 في المئة نجاحاً) وإن كانت بعض الألسن فد بدأت تتحدث عن «تساهل مضرّ بقيمة الشهادة الفرنسية»، كما تبين أن خطأً في نقل العلامات بواسطة الحاسوب أفضى إلى «قلب نتائج مئات من الممتحنين». واللافت هو أنه بعد إعلان النتائج بدأ الحديث عن «المناوشات التي شهدتها قاعات الامتحانات بسبب الرموز الدينية». أحداث غطت عليها آنذاك مسألة تأليف لجنة «دراسة حول توسع استعمال البرقع والنقاب».
إلا أنه هذه المرة لم يكن الإسلام في وسط حدث «تململ العلمانيين»، بل كان الصليب المعلّق على حائط صالات الصفوف في بعض «المدارس الخاصة» التي «تستعيرها الدولة» لإجراء الامتحانات الرسمية فيها. وذكرت صحيفة «ليبراسيون» اليسارية أن الأوساط العلمانية ثارت وتحدثت عن «المعايير المزدوجة» التي تُعامل بها الرموز الدينية في ظروف «متشابهة تقريباً»، أي في الوسط التعليمي الرسمي. وروى بعض المشاركين في الامتحانات الشفهية أنهم «صدموا» عندما وُجدوا داخل قاعات «وقد علّق الصليب فوق رؤوسهم»، كما تفعل المدارس الكاثوليكية الخاصة، فيما هم يمتحنون «طلبة الجمهورية» حيث يجب أن تسود العلمانية.
والجدير بالذكر أنه منذ الثورة الفرنسية، مُنع تعليق الصليب في قاعات الدراسة مثلما كان سائداً. واستغربت أستاذة امتحنت شفهياً طلبة الفلسفة في «فولتير ونقده للدين»، فيما «كان الطلبة ينظرون إلى الصليب المعلق خلفي»، حسب قولها.
وذكر أحد النقابيين، لـ«الأخبار»، أن «هذه الإشكالات تحصل كل سنة» ولكن كان يجري تجاوزها «بحسن نية مديري المدارس الخاصة»، الذين كانوا يسحبون الصلبان من صالات الأساتذة الذين يطلبون هذا الأمر. إلا أنه هذه المرة رفض أكثر من مسؤول رفع الصليب من القاعات، وحتى مصلحة الامتحانات، وهي مؤسسة رسمية، رفضت التدخل كما هي العادة، وعلى العكس عمدت إلى سحب الأساتذة الذين كتبوا لها يطالبون برفع الرموز الدينية من داخل صالات الامتحانات.
وذكرت ناشطة في جمعية لأهالي طلبة المدارس الرسمية أن عدداً من الجمعيات يستعد لرفع دعوى بحجة «تذكية الفوارق الدينية»، بينما يقول موظفو مصلحة الامتحانات أنْ لا «قوانين تنص على منع الصليب من أن يكون على حائط مدرسة خاصة». إلا أن الأمين العام لنقابة معلمي الثانويات، دانيا روبان، أكد أن «كل مبنى يدور فيه نشاط جمهوري»، أي يتعلق بالدولة عليه أن يكون «خالياً من أي رمز ديني».
وتساءل ناشط علماني آخر «لماذا العمل بمعايير مزدوجة؟». واستطرد «لقد رفضنا الحجاب في المدارس الرسمية، فلماذا نقبل أن يمتحن التلامذة تحت شعار ديني آخر؟».
إلا أن التلاعب على القوانين غير الواضحة يظل ممكناً، فرئيس مصلحة الامتحانات ستيفن كيسلر يصر على أنه «لا نصّ ينظم هذا الوضع في صالات الامتحانات». ويفسر نقابي هذا التناقض بأن «عامل الرمز الديني طارئ على مجتمعنا منذ مدة قصيرة جداً، ولم يتسنّ للمشرّع وضع قوانين تنظيمية في مختلف أوجه الحياة». ويعترف بأن مسألة الجدل بشأن الحجاب سابقاً والبرقع حالياً «فتحت عيون العلمانيين» على الرموز الدينية الأخرى، التي عادت «تتسلّل» إلى طيّات الجمهورية العلمانية.