فجأة ظهرت إلى العلن معلومات عن تعامل نووي بين كوريا الشماليّة وميانمار. قصة تعاون تبدو كأحد أسلحة بيونغ يانغ لمساومة الغرب في المفاوضات السداسيّة بشأن برنامجها النووي
حبيب إلياس
تحتل معلومات التعاون النووي بين كوريا الشماليّة وميانمار واجهة الاهتمامات في جنوب شرق آسيا، ولا سيما مع ما تحمله من معطيات عن بدء بيونغ يانغ التوسّع نووياً في الشرق الآسيوي، بعدما كانت الأنباء تتحدث عن تعاون نووي كوري مع إيران وسوريا. قصة التعاون هذه بدأت بالظهور في أعقاب محاولة سفينة الشحن «كانغ نام الأول»، التابعة لكوريا الشمالية، التوجه إلى ميانمار، حيث اشتبه عدد من المسؤولين في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بأنها تحتوي على أسلحة وذخيرة. لكن أحد خبراء الاستخبارات الكورية الجنوبية استعان بصور للأقمار الاصطناعيّة للإشارة إلى أن السفينة «كانت في مهمة يبدو أن لها صلة بوجود برنامج نووي في ميانمار». وأضاف: «إن كوريا الشمالية تساعد ميانمار على بناء مرافق لها ارتباط باليورانيوم والملف النووي».
وبالتزامن مع حادثة السفينة، اعتقلت الشرطة اليابانية مواطناً كورياً شمالياً ويابانيين بتهمة محاولة تصدير جهاز قياس مغناطيسي لميانمار. وفي السياق، صدر تقرير أخيراً عن «إذاعة آسيا الحرة لمنفيي ميانمار»، ومقرها واشنطن، يشير إلى أن عدداً من كبار ضباط الجيش قاموا بزيارة سرية في أواخر العام الماضي لكوريا الشمالية، حيث أبرموا اتفاقاً لتوسيع نطاق التعاون على نحو كبير، بما في ذلك بناء منشآت تحت الأرض.

الخبراء طرحوا مقاربة تتمثل باستخدام ميانمار كوسيط بين كوريا الشمالية وعدد من «الزبائن النوويين»
ورغم أن كوريا الشمالية لم تتوصل إلى امتلاك فعلي للسلاح النووي، إلا أن رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، ديفيد أولبريت، يشير إلى أن بيونغ يانغ «تقدّم مساعدة تبدأ بمستوى منخفض جداً لتطوير برنامج ميانمار النووي، فهي يمكن أن تغطي تدريب الأفراد، ولا سيما أن أهم شيء في أي برنامج نووي هو الموارد البشرية».
وفيما رأى الكاتب المتخصص في الشؤون الكورية الشمالية، برتيل لينتنر، أن ميانمار راغبة في الحصول على سلاح نووي، استدرك أنه «يجب أن ينتظروا لعقود قبل التوصل إلى امتلاك شيء يشبه قنبلة نووية».
غير أن بعض الخبراء طرحوا مقاربة جديدة تتمثل باستخدام ميانمار كوسيط بين كوريا الشمالية وعدد من «الزبائن النوويين» المحتملين. فقد أشارت مجلة «إيكونوميست»، في أحد تقاريرها، إلى أن هناك سوابق لاستعمال بيونغ يانغ لميانمار في نقل «قطع صواريخ وأشياء أخرى إلى إيران»، فيما ذكر أولبريت أن الشبهات حامت حول استعمال ميانمار كوسيط في التعاون النووي السوري ـــــ الكوري الشمالي.
وتجدر الإشارة إلى أن ميانمار وقّعت اتفاق عدم انتشار الأسلحة النووية، وبموجبه هي مجبرة على إبلاغ المنظمة الدولية بالخطوات النووية التي ستقدم عليها قبل ستة أشهر من القيام بها. كذلك يشير محللون إلى احتمال آخر، يتمثل بأن النظام في ميانمار، الذي لم يعلّق على الموضوع، يستعمل «خدعة» امتلاكه لبرنامج نووي لـ«يخيف» الدول الأخرى، بحسب كريستينا ـــــ استريد هانسل، من «مركز جيمس مارتن المتخصص في دراسات عدم الانتشار النووي». وتضيف أنهم «قد يشعرون بأن الحديث عن تطوير تكنولوجيات نووية يتيح لهم مزيداً من النفوذ للمساومة». وتوضح قائلة: «هذا وارد، بالنظر إلى الفوائد التي حصلت عليها كوريا الشمالية من وراء برنامجها النووي».
لكن على الرغم من أهمية موضوع عودة ميانمار إلى التفكير باقتناء سلاح نووي يهدد أمن المنطقة المجاورة، وبالأخص تايلاند (حليفة الولايات المتحدة)، فإن هذا الموضوع يبقى ثانوياً لأن تطبيقه يحتاج إلى الكثير من الوقت. فالأهم هو استخدام ميانمار حلقةَ مساومة بين واشنطن وبيونغ يانغ. إذ إن الولايات المتحدة تضع مجمل ضغطها للتمكن من زيادة العقوبات على كوريا الشمالية وإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات، فيما الأمر بالنسبة إلى بيونغ يانغ يصبّ أولاً في خانة محاولة تقوية موقفها التفاوضي في المحادثات السداسية، وثانياً للحصول على سيولة من جراء بيع المعدات المستعملة في المصانع النووية؛ فالعقوبات الدولية المفروضة على بيونغ يانغ أخذتها إلى مزيد من التطرف في المواقف والسبل الآيلة إلى إخراجها من عزلتها، أو على الأقل التمكن من المحافظة على استمرارية النظام، وخصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية، مع شيوع أخبار عن تدهور صحة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل، والكلام عن التحضير لتسليم ابنه الأصغر السلطة.