«طفل في غوانتنامو»أثار ريبة المنظمات الإنسانية والصحافة. فماذا يفعل ابن الاثني عشر ربيعاً، في ظلمات المعتقل وعمليات التعذيب فيه؟ تعذيب نال محمد جواد حصة منه لأنه قرر يوماً أن يجرح بقنبلة جنوداً غرباء دخلوا بلاده
شهيرة سلّوم
محمد جواد، ذلك الفتى الأفغاني، الذي نشأ بين أسلاك وحيطان معتقل غوانتنامو، قد يخرج إلى الضوء قريباً، بعدما اقترحت إدارة باراك أوباما خطة لتسليمه إلى السلطات الأفغانية. يقول محاميه إنه سيطلق سراحه على الأرجح، ولا سيما أن السلطات الأفغانية طالبت بإعادة جواد الى وطنه وعرضت إرسال طائرة لإحضاره.
وعرض محامو الحكومة الفدرالية خطة الى المحكمة، تقضي بالإفراج عن جواد وتسليمه الى حكومة أجنبية في غضون نحو ثلاثة أسابيع. وقال أحد المحامين العسكريين، الميجر دايفيد فراكت، عن جواد «إنهم توصلوا الى النتيجة نفسها التي توصل إليها الآخرون، وهي أنه بريء». ولكن إمكان إقامة دعوى جنائية ضد جواد يبقى قائماً مع إعلان وزارة العدل الأسبوع الماضي أنها تدرس هذا الاحتمال، وهو أمر قد يؤدي الى توجيه تهم قبل الإفراج عنه أو بعده.
جواد، الذي قد يرى قريباً أرضه الأفغانية، سيخرج شاباً من تربية حراس ذاك المعتقل، الذي مرّغ الديموقراطية الأميركية بالوحل، لما مثّله من رمز لاحتقار حقوق الإنسان وانتهاكها بأبشع الصور، بعدما اتهمته محكمة عسكرية بإلقاء قنبلة سبّبت جرح جنديين أميركيين ومترجمهما الأفغاني في سوق في كابول أواخر عام 2002. كان حينها لا يتجاوز اثني عشر ربيعاً بحسب شهادة العاملين في المفوضية الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان. أما «هيومن رايتس فيرست»، فقالت إنه كان في السابعة عشرة، فيما أصرت السلطات الأميركية على أن بنية عظام جواد تشير إلى أن عمره كان 18 عاماً عندما أُدخل الى غوانتنامو.
اعترف جواد في خريف 2004 بأن رجالاً تقربوا إليه حين كان يصلي في المسجد، وعرضوا عليه عملاً مدفوعاً، ونُقل الى مخيم في أفغانستان حيث قيل له إنه سيتلقى تدريبات على زرع الألغام، لكن خُدّر وطُلب منه حمل بعض المواد في جيبه وحملها الى سوق خوست، وقال إنه حين أدرك أن ما يحمله في جيبه قنبلة، ركض في السوق طالباً من الناس الابتعاد إلى أن أُلقي القبض عليه.
وجهت إليه المحكمة العسكرية في تشرين الأول 2007 اتهامات بـ«محاولة قتل في انتهاك لقانون الحرب» و«التسبب عمداً بإصابات جدية»، ليمثل أمام المحكمة العسكرية في 30 كانون الثاني 2008 لهذه التهم. في جلسة استماعه الأولى (أيار 2008)، قدم محامي جواد وثائق وتسجيلات أظهرت آليات التعذيب التي تعرّض لها، ومن ضمنها برنامج الحرمان من النوم. كان حراس السجن ينقلون جواد من زنزانة الى أخرى 112 مرة في غضون أسبوعين، يكبّلونه ثم ينقلونه ويفكون قيده دورياً كل ساعتين وخمسين دقيقة، تطبيقاً لبرنامج التعذيب المعروف بـ«الحرمان من النوم»، ما دفعه إلى محاولة الانتحار قبل أشهر من المحاكمة.
ودفعت قضية جواد المدعي العام، داريل فانديفيلد، الى الاستقالة بعدما خاب أمله بالنظام وبات «مؤمناً حقيقياً بأنه شخص تعرّض للخداع»، وأن المتهم كان حدثاً حين دُفع الى ارتكاب فعلته.
بعد المحاكمات، رفض القاضي معظم الأدلة، كما رفض قاض آخر في محكمة جزئية كل اعترافاته على أساس أنه أدلى بها تحت التعذيب، الذي طاله أيضاً عندما كان في عهدة السلطات الأفغانية أيضاً؛ فقد قال في اعترافاته إنهم عذّبوه وضربوه وهدّدوه بالقتل ما لم يعترف، حين كان في قبضتهم قبل تسليمه لعملاء الاستخبارات الأميركية.