إعدام زعيم المجموعة بعد اعتقاله... ومخاوف من أعمال ثأريّةجمانة فرحات
شهدت منطقة بورنو في عام 2004 الظهور الأول لمجموعة من الشبان، الذين أعلنوا الجهاد لإقامة نظام إسلامي يتوافق مع إيديولوجيتهم التي تحرّم تعليم المناهج الغربية. شبان كانوا نواة لجماعة «بوكو حرام» أو «طالبان نيجيريا» أو «حركة الهجرة». تسميات مختلفة أطلقها السكان والإعلام على هذه المجموعة للدلالة على أهدافها. فـ«بوكو حرام» تعني أن التعليم، وتحديداً الغربي، حرام. أما «طالبان نيجيريا» فنسبة إلى أن أعضاء الجماعة استوحوا أفكارهم من حركة «طالبان» الأفغانية، رغم عدم وجود صلات تنظيمية أو ارتباط ظاهر بين الطرفين. أما «حركة الهجرة»، فتشرح انطلاقة الجماعة وظروف تحولاتها.
حكاية تعود فصولها إلى عام 2003، عندما قرر بعض الطلبة الجامعيين الناقمين على نظام التعليم الغربي المعتمد في نيجيريا، الذين فشلوا في الانخراط فيه، الخروج عن واقع مجتمعهم الذي يرون أنه آثم، واتجهوا نحو الجبال للانعزال بعيداً عن فساد الأرض، ثم ما لبثوا أن قرروا العودة، لكن لتغيير المجتمع هذه المرة. تغيير لا يكتمل إلا بإحداث انقلاب في نظام الحكم في ولايات نيجيريا الستّ والثلاثين، التي تطبق اثنتا عشرة منها الشريعة الإسلامية.

السلطات تغاضت لخمس سنوات عن الحركة لأن نشطاءها من عائلات ثرية وذات نفوذ
والظهور الأول للمجموعة، بزعامة محمد يوسف، بدأ مع إنشاء قاعدة لها في بلدة كاناما في ولاية يوبي على الحدود مع النيجر، مطلقةً على معسكرها اسم «أفغانستان»، لتدخل منذ عام 2004 في صراع مع الشرطة، ما أدى إلى مقتل ما يقارب ثلاثين من عناصرها، فضلاً عن اعتقال عدد آخر، ما دفعهم إلى اللجوء للعمل سراً في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو. وانتظرت الحركة أكثر من عامين للانتقام، إذ شنت في أيار 2007 هجوماً على مركز شرطة في ولاية كانو، فقتلت أحد عشر ضابطاً، وصولاً إلى شهر حزيران الماضي حيث أُصيب العديد من أعضائها بالرصاص في صدامات مع شرطة مايدوغوري.
هذه الصدامات لم تكن ذات تأثير كبير، ولم تخلّف أعداداً كبيرة من الضحايا، على عكس ما جرى في الأيام السابقة، إذ إن طبيعة الهجمات هذه المرة قد تطورت، كذلك إن طبيعة الرد الحكومي تحولت إلى شكل دموي غير معهود.
والأسباب يمكن تلخيصها بالآتي: فبعد مرور خمسة أعوام على هجماتهم الأولى، شنّ مسلحو «طالبان نيجيريا»، منذ الأحد الماضي سلسلة من الهجمات المتتالية على 3 ولايات، هي كانو وبورنو وباوتشي، لم تسلم منها كما العادة مراكز الشرطة، إضافة إلى بعض الكنائس، وذلك على خلفية إلقاء الشرطة القبض على أعضاء في الجماعة للاشتباه في تخطيطهم لهجوم على مركز للشرطة.
هجمات كانت كافية لتدفع القوات النيجيرية إلى إطلاق حملة أمنية محكمة تهدف إلى سحقها، وذلك بعدما لامست الخطوط الحمر المسموح فيها بالنسبة إلى النظام. كذلك كانت مناسبة لزعيم الحركة لكي يؤكد عدم وجود نية لدى الحركة للاستسلام.
تهديد سرعان ما تبدد، ولو مؤقتاً، بعدما أعلنت القوات الأمنية النيجيرية أنها تمكنت من سحق الجماعة وقتل زعيمها، بعد ساعات من تصفية الرجل الثاني في التنظيم أبو بكر شيكاو ومعه 200 من أنصاره. وعلى الرغم من أن ظروف إعدام محمد جاءت غامضة، إذ إنه قتل بعد ساعات من إلقاء القبض عليه واحتجازه لدى الشرطة، تطرح قضية «طالبان نيجيريا» تساؤلات عن مدى انتشار التطرف الإسلامي في نيجيريا، ومدى تأثيره، وقدراته.
فنيجيريا، بلد المئة وخمسين مليون نسمة، والمئتي وخمسين قبيلة، ينتشر في ولاياتها الشمالية، ذات الغالبية المسلمة، عدد من المجموعات الإسلامية المتشددة، مستغلة غياب فعّال للشرطة على الحدود التشادية والنيجيرية، لكن هذه الجماعات لا تتمتع بقيادة موحدة، وتسود بينها الخلافات.
وفي ما يتعلق بالقدرات التنظيمية والعسكرية لهذه الجماعات، تظهر الأسلحة التي تمتلكها جماعة «طالبان نيجيريا»، المتمثلة بالمناجل والسكاكين وبنادق الصيد المحلية الصنع والقنابل الحارقة، ضعف التسلح الذي تعانيه، وهو ما يفسّر في نظر البعض تعمد أعضائها اللجوء على نحو متكرر إلى استهداف مراكز الشرطة بهدف الحصول على أسلحة متطورة. كلك يظهر ضعف القدرات العسكرية عدم وجود جهات خارجية تمول المجموعة.
أما عن أسباب تأخر الحكومة في الرد طوال السنوات الخمس الماضية، فيقول الصحافي أمينو أبو بكا إن هناك اعتقاداًَ شائعاً بأن السلطات لم تكن راغبة بالتعامل مع نشطاء الحركة لأنهم من عائلات ثرية وذات نفوذ، لكن الحكومة أدركت خطأها وأيقنت أنها كلما أسرعت في التعامل مع الخطر كان أفضل، وخصوصاً بعدما توسع انتشارهم.
لكن حتى بعد مقتل يوسف يبقى الخطر قائماً، إذ إن دموية الاشتباكات، التي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 600 شخص معظمهم من عناصر المجموعة والمدنيين، تشير إلى تضاعف في عدد المجموعة، كذلك تنذر باحتمال اندلاع أعمال ثأرية يقودها من بقي من أعضائها.