قد يكون خطاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اليوم في القاهرة، منعطفاً في العلاقة مع العالمين العربي والإسلامي، لتتويج سلسلة من المتغيّرات التي طبعت سياسة الرئيس الشاب مع الشرق الأوسط، بدءاً من الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، مروراً بالعلاقة مع سوريا، وصولاً إلى إيران. الترقّب هو سيّد الموقف، بانتظار سيّد البيت الأبيض
واشنطن ــ محمد سعيد
تترقّب الدول العربية، ومعها العالم، باهتمام بالغ مدى التغير في سياسة الولايات المتحدة في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه المنطقة العربية، وتسوية الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، تمهيداً لخطابه الذي سيوجّهه إلى العالم الإسلامي من مصر اليوم، في الرابع من حزيران، الذكرى السنوية الثانية والأربعين للنكسة العربية.
ويتساءل مراقبون لطروحات حكومة أوباما تجاه المنطقة ومتابعون لها إن كانت سياسة البيت الأبيض في عهد هذا الرئيس تجاه المنطقة ستكون مغايرة في الجوهر عن سياسات أسلافه، وهذا التساؤل، كما تقول صحيفة «نيويورك تايمز»، فرض نفسه بإلحاح مع تصريحات أوباما قبل أسابيع لدى زيارته لتركيا، التي حاول من خلالها استمالة العالم الإسلامي.
غير أن الإجابة عن هذا التساؤل لا تزال محيّرة وغامضة، فالكتاب الأول لأوباما الذى حمل عنوان «أحلام من والدي» خاض بعمق في مشاكل العنصرية والوطنية والأوطان والحاجة إلى الشعور بالانتماء إلى مكان ما، هذه القضايا التي تمسّ صميم الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. ولكن أوباما لم يكشف في كتابه بوضوح عن منظوره بشأن إسرائيل، ومحنة الشعب الفلسطيني.

تغيير تكتيكي

وفيما يرى البعض أن زيارة أوباما لتركيا وتوجيهه خطاباً تصالحياً مع المسلمين قال فيه إن «الولايات المتحدة ليست ولن تكون في حالة حرب مع الإسلام»، وإنه «سيعمل على سد الفجوة بين والعالم الإسلامي»، يعدّان مسألة مهمة جداً، وبادرة مشجّعة من إدارة أوباما يجب عدم التقليل من شأنها، فإن خبراء ومحلّلين يُجمعون على أن لهجة أوباما تجاه العرب والمسلمين منذ دخوله البيت الأبيض جاءت في سياق مساعٍ حثيثة لجسر الهوة الواسعة، التي أحدثها سلفه جورج بوش في علاقاته مع المسلمين.
ويرى إبراهيم أقباب، المحلل السياسي التركي، أن ما قاله أوباما في تركيا يأتي في سياق «تطييب خواطر»، بعد ما أصاب العلاقات الإسلامية ـــــ الأميركية في السنوات العشرين الأخيرة. وقال إن «الولايات المتحدة في اللحظة الراهنة أدركت أن بسط نفوذها في المنطقة بالقوة المسلحة غير مجدٍ، وأن مقاومة هذا النفوذ في تزايد، ولم يشفع لها احتلال العراق وأفغانستان ودعم إسرائيل اللّا محدود. ومن هنا رأت حكومة أوباما أن التعامل مع هؤلاء الشرقيين (معظم المسلمين) لا يكون بالقوة، ولكن بالاحتواء».
وشدّد أقباب على أن «ما يقوم به أوباما الآن هو خطوة في طريق طويل يحتاج إلى سنوات. هذه الطريق هي تغيير المفاهيم التي أضحت بمثابة الثوابت في السياسة الخارجية الأميركية، في ما يتعلق بالعالمين العربي والإسلامي، أوباما يحاول أن يقول إن نظرتنا إلى المسلمين تغيرت. لكن الأمر يحتاج منه إلى عمل كبير. ليس في سبيل إقناعنا نحن، بل عليه أن يقنع حكومته وصنّاع القرار في بلاده بذلك».
كما أكد الدكتور وليد عبد الحي، الباحث في القضايا الاستراتيجية في جامعة اليرموك الأردنية، أن «لهجة أوباما التصالحية ما هي إلا تغيير تكتيكي في السياسة الأميركية التي ناهضت العالم الإسلامي طوال السنوات الماضية، ولا تعبّر بحال من الأحوال عن تغير في الاستراتيجيات الأميركية تجاه العرب والمسلمين»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة تشعر في اللحظة الراهنة بالضعف نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، التي كانت السبب الرئيسي في صنعها، ولذلك فهي تبدي نهجاً تصالحياً مع العالم كله تقريباً، ومع العالم الإسلامي على وجه الخصوص، لكنه لن ينعكس على معالجة القضايا الرئيسية في العالم الإسلامي، سواء في فلسطين أو في العراق أو أفغانستان»، إذ إن بناء جسور الثقة مع العالم الإسلامي «يتطلّب بالدرجة الأولى تغيير السياسة الخارجية الأميركية المنحازة من دون حدود لإسرائيل».
في الجانب الأميركي، يجمع المحللون على أن أوباما يخلص النية في رغبته في التوصل إلى تسوية، لكنهم يختلفون في مدى إمكان تحقيق هذا الهدف، وفي الكيفية التي يمكن تحقيقه بها. إذ يعتقد روبرت مالي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، المساعد السابق للرئيس الأسبق بيل كلينتون للشؤون الإسرائيلية العربية، «أن الغموض لا يزال يكتنف استراتيجية أوباما في المنطقة».
وقال مالي إنه «لا يتوقع أن يكون أوباما رئيساً ثورياً في ما يتعلق بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي بالسلام، وذلك على عكس سلفه جورج بوش، الذي انتهج سياسة ثورية ومدمرة في المنطقة». وتوقع أن يسعى أوباما إلى التوصل إلى اتفاق شامل، مع إدراك تداخل مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وأن يشدّد مواقفه بشأن المستوطنات، وأن يطلق خطته قريباً. وأعرب عن قلقه إزاء النظر إلى الصراع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني من منظار إيراني.

الضغط على إسرائيل

عزّز أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون موقفيهما ليتمكنا من الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. فرئيس هيئة موظفي البيت الأبيض راحم عمانويل، قال أمام زعماء يهود أميركيين في أوائل شهر أيار الماضي، إن «حكومة أوباما عازمة على دفع مفهومها للسلام قدماً، وإنها لن تسمح لهم بالوقوف في طريقها».
وبدأ أوباما بالفعل مراكمة الضغط على إسرائيل لمنعها من شن ضربات جوية من جانب واحد على إيران، التي تسرّع عملية توسيع قدراتها في مجال الأسلحة النووية. كما بعث برسالة إلى نتنياهو قبل الاجتماع به محذّراً من أنه لا يريد أن يفاجأ بهجوم إسرائيلي على إيران.

الخطة

ورغم تأكيد البيت الأبيض أن خطاب أوباما لن يتضمن مبادرة محددة أو خطة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، فإن العديد من المصادر الصحافية ذكرت أن أوباما يعتزم مطالبة عدد من الدول العربية ببدء التطبيع الفوري مع إسرائيل، إذ سيسعى إلى إقناع كل من المغرب، وسلطنة عمان، وقطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، باتخاذ «خطوات صغيرة لبناء الثقة مع إسرائيل»، من أجل تهيئة الأجواء لدفع عجلة عملية التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
وطبقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست»، سيطالب أوباما باتخاذ خطوات رمزية نحو التطبيع مع إسرائيل، تتمثل في فتح خطوط الهاتف المباشرة بين الدول العربية وتل أبيب، والسماح للطائرات التجارية الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي للدول العربية السالفة الذكر. غير أن الصحيفة أشارت إلى أن الدول العربية غير مستعدة الآن لتقديم مثل هذه «الهدايا المجانية» إلى إسرائيل قبل أن تنفّذ الدولة العبرية تعهداتها السابقة بتجميد البناء داخل المستوطنات الصهيونية، والسماح بحرية الحركة للفلسطينيين داخل الضفة الغربية.
وأشارت هذه التقارير إلى أن التنازلات العربية ستلي قيام الولايات المتحدة بتوضيح الطريقة التي ستعمل من خلالها لإنجاز حلّ إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية، وفي إطار التزامات عمل من كلا الطرفين، مع أن الحكومة الإسرائيلية الحالية كرّرت أنها لن توقف ما تصفه بالنمو الطبيعي للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.

... والرؤية

لم يتوقف أوباما وكبار مساعديه عن التأكيد على تبني حل الدولتين للصراع العربي الإسرائيلي، وضرورة تنفيذ الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خطة خريطة الطريق، التي أقرتها اللجنة الرباعية قبل سنوات، والتي تدعو إسرائيل إلى التوقف عن النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك ما يسمّى «النمو الطبيعي».
وقد أثار أوباما حنق إسرائيل بتعليقاته الصريحة بشأن المستوطنات، لكن من غير الواضح حجم الضغط الذي سيمارسه إذا لم يتزحزح نتنياهو عن موقفه. ويقول دبلوماسيون غربيون إن أحد الخيارات هو أن توقف واشنطن أو تقلّص جزءاً من ضمانات القروض الأميركية، على غرار ما فعلته حكومات أميركية سابقة، ومن المرجّح أن يجمّد الاتحاد الأوروبي بدوره أيّ تطوير للعلاقات التجارية مع الدولة العبرية. وفي ما يتعلق بالحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، فقد سعى مبعوثون أميركيون وأوروبيون ودوليون إلى إقناع نتنياهو بأن القيود المفروضة على الحدود تدعم «حماس» بإجبار سكان غزة على الاعتماد على أنفاق التهريب التي تسيطر عليها الحركة. وقال دبلوماسيون إنهم يتوقعون أن يسمح نتنياهو بدخول بعض مواد الإنشاء إلى القطاع على الأقل بالنسبة إلى المشروعات التي وافقت عليها إسرائيل.
كما تركّز حكومة أوباما على موضوع إصلاح قوات أمن السلطة الفلسطينية وتطويرها، وتحديد مهمّاتها بضبط الوضع الأمني في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وملاحقة نشطاء المقاومة وعناصرها لمنع القيام بأي عمليات فدائية ضد إسرائيل. وهو أمر يلقى مساندة من الحكومة الإسرائيلية. وتعتزم واشنطن بموافقة إسرائيلية إرسال ثلاث كتائب أخرى إلى الأردن للتدرّب ابتداءً من هذا الصيف.

أوباما وإيران

الكثير من المؤشرات تفيد أن هناك صفقة أميركية ـــــ إيرانية بدأت تتكوّن خيوطها، وتبرز معالمها في الأفق، حيث إن المرحلة الحالية تتطلب تعاوناً وثيقاً بين الولايات المتحدة وإيران لحل المشكلات الأمنية، التي تورطت فيها الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، في كل من العراق وأفغانستان، حيث تعهد الرئيس الجديد تبني أجندة مختلفة تماماً، وشعار من أجل التغيير. هذا التغيير لا يبغيه في الداخل فقط، ولكن يريده أن يكون تغييراً عالمياً: سواء في سياسات الولايات المتحدة أو في التوجه العام للاستفادة من القوة الأميركية، وتوظيفها بطريقة جديدة تحفظ مصالحها، ولكن بأقل الخسائر، عكس سلفه الذي كلّف الولايات المتحدة والعالم خسائر فادحة في الأرواح والأموال، انتهت بوضع العالم في أتون أزمة اقتصادية طاحنة بسبب تلك السياسات الخاطئة.
ويعتمد التغيير في السياسة الأميركية على التوجه المتعدد الأطراف إلى منح حلفاء الولايات المتحدة والمنظمات الدولية دوراً في السياسة الجديدة لمعالجة المشكلات التي ورثها أوباما عن سلفه، وكذلك إلى مزج القوة الناعمة بالقوة الصلبة، فيما بات يعرف بالقوة الذكية، التي تحاول الاستفادة قدر الإمكان من كل نواحي القوة الأميركية الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية.
ففي أفغانستان، التي تبنّى أوباما الحرب التي ورثها عن بوش، يعتقد أن إيران، كما هي الحال في العراق، تملك العديد من الأدوات التي تمكّنها من أداء دور قوي في «استقرار» أفغانستان، حيث يريد القضاء على حركة «طالبان» و«القاعدة» وتأليف حكومة ائتلافية في كابول، بديلاً من حكومة حميد قرضاي الحالية.
وتتّفق الولايات المتحدة وإيران على الكثير من الأهداف داخل أفغانستان: فإيران تريد القضاء على حركة «طالبان» السنيّة، التي تمثل تهديداً مباشراً لها، كما تريد أن يستتبّ الأمن في أفغانستان من أجل عدم تدفق اللاجئين على أراضيها، إضافة إلى تحول أفغانستان إلى أكبر مركز لزراعة المخدرات والاتجار بها في العالم بعد زوال حكم «طالبان» منذ خمس سنوات.
غير أن الولايات المتحدة تسعى في الوقت نفسه إلى مقايضة توسيع إيران لنفوذها في أفغانستان والعراق، بدفعها إلى قبول صفقة تقضي بتجميد برنامجها النووي. كما تسعى واشنطن إلى عقد صفقة مع روسيا لوقف تعاونها النووي والصاروخي مع إيران، وقد أوكلت هذه المهمة إلى المسؤول عن هذا الملف في الخارجية الأميركية، دينيس روس، بربط ذلك بتجميد نظام الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية. وتترقّب حكومة أوباما نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية بأمل فوز «مرشح إصلاحي» فيها، يمكن أن يمهّد الطريق أمام عقد صفقة مع الولايات المتحدة بصورة أسهل، مقارنةً بوجود الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، أو غيره من المحافظين على رأس الحكم في إيران، رغم أن مقاليد السلطة الفعلية لجهة اتخاذ القرار تبقى في يد مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي.
ولقد طمأنت حكومة أوباما «أصدقاءها العرب»، خلال الجولة التي قام بها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى المنطقة في شهر نيسان الماضي، إلى أن السياسة الأميركية الجديدة تجاه إيران لن تكون أبداً على حساب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

أوباما وسوريا

من إيران إلى سوريا، تبدو سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما مناقضة لتوجّهات سلفه جورج بوش. ففور تسلّمه السلطة أعاد فتح قنوات الاتصال مع دمشق، عبر إيفاد نائب مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، ومسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي دان شابيرو، مرتين إلى العاصمة السوريّة. زيارتان يبدو أنهما تمهّدان لوصول المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جورج ميتشل، إلى دمشق مطلع الأسبوع المقبل، ليكون أرفع مسؤول أميركي يزور سوريا منذ قطيعة جورج بوش، وخاصة بعد المكالمة الهاتفية الأحد بين هيلاري كلينتون ونظيرها السوري وليد المعلم.


عبد الله الثاني والتسوية

كان ملك الأردن عبد الله الثاني أول من أعلن أن الولايات المتحدة تروّج لخطة تسوية سلمية في المنطقة، تتضمّن حلاً يضم 57 دولة إسلامية تعترف كلها بإسرائيل، موضحاً أن الخطة الجديدة التي ستُعرض على تل أبيب ستتضمّن أن يلتقي معها ثلث العالم ـــــ وهو دول العالم الإسلامي ــــ «بأذرع مفتوحة». وقال إن «المستقبل ليس نهر الأردن أو مرتفعات الجولان أو سيناء، بل المستقبل هو المغرب في المحيط الأطلسي، وإندونيسيا في المحيط الهادئ، وهذه هي الجائزة التي نعرضها على إسرائيل». وقالت صحيفة «تايمز أوف لندن» إن الملك عبد الله وضع هذه الخطة مع أوباما في واشنطن في نيسان الماضي، على أن تجري صياغة التفاصيل المتعلقة بها خلال سلسلة من التحركات الدبلوماسية في أيار يجريها الرئيس الأميركي مع بنيامين نتنياهو ومحمود عباس (أبو مازن). وأكد مسؤولون عرب بارزون أن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جورج ميتشل، طلب من دول عربية اتخاذ إجراءات حيال التطبيع مع إسرائيل «إذا ما أُعيد إطلاق عملية السلام، وعدم مكافأتها فقط عند إنجاز السلام».
(الأخبار)