باريس ــ بسّام الطيارةزيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، إلى باريس ولقاؤه مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الإليزيه، حملت طابعاً مبهماً منذ الإعلان عنها. أول سؤال طرح على الوزير كان «من هو المبادر لهذا اللقاء؟» بالطبع كان جواب متكي أنه «جاء تلبية لدعوة الفرنسيين»، الذين وصفهم بأنهم «أصدقاؤه». لكن مصدراً فرنسيّاً في الإليزيه وصف آلية الدعوة بطريقة مغايرة، ولكنها لا تحمل أي تناقض، إذ قال رداً على السؤال نفسه «أظهر الإيرانيون استعدادهم للقاء».
أما عن لائحة الملفات التي وضعت على طاولة «المشاورات الطويلة»، التي تجاوزت ثلاث ساعات ونيفاً، فقد وصفت بأنها طويلة؛ الجانب الإيراني تحدث عن مباحثات تناولت «العلاقات الثنائية والإقليمية ودول الجوار»، بينما توسع مصدر فرنسي في الإليزيه خلال اللقاء مشدداً على «الملف الإيراني» من دون أن ينفي «دور إيران في عدد من الملفات»، وفي مقدمتها ملفات لبنان وأفغانستان والعراق.
وذكر مصدر فرنسي آخر أنه «لا يمكن اعتبار استقبال متكي تغييراً في المقاربة الفرنسية لإيجاد حل للملف النووي الإيراني»، مشدداً في الوقت نفسه على أن «واشنطن لحقت بباريس»، قبل أن يضيف أن «الـ٥+١»، وهي الدول التي تفاوض إيران، لا تزال على سياستها التي وصفها بأنها «حوار صارم»، فيما يتفق بعض المراقبين على أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أسقط الشروط المسبقة للحوار، ومنها «التجميد المزدوج» أي تجميد التخصيب في مقابل تجميد العقوبات.
وكان متكي قد صرّح فور وصوله إلى باريس بأنه «لن يتناول الملف النووي خلال مشاوراته»، إلا أن توزيع الإليزيه لبيان عنيف جداً مباشرة عقب انتهاء الفترة الأولى من المحادثات لا يتناول «إلا الشق النووي»، أشار إلى أن هذا الملف عاد بقوة إلى طاولة المساومات في هذه المرحلة «ما قبل الانتخابية» في إيران، التي يبدو أن ساركوزي أراد أن يكون «ناخباً كبيراً فيها»، حسب تصريح أحد المرافقين للوزير.
ففيما وصف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، إمكان تغيير في سياسة إيران بأنه «معجزة»، أكد بيان الإليزيه غياب هذه المعجزة وبدا كأنه صدى للانتقادات التي يوجهها الإصلاحيون في طهران لسياسة الرئيس محمود أحمدي نجاد.
وفيما كان مسؤول فرنسي قد ذكر لـ«الأخبار» أن متكي يحمل «رسالة مهمة بشأن المسألة النووية»، وصفها البعض بأنها رد على عرض الحوافز، فإن تحذير ساركوزي لإيران بأنها تجازف بزيادة عزلتها الدولية إذا لم توافق على الدخول في محادثات مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، يدل إن لزم الأمر على أن «مضمون الرسالة الإيرانية لم يأت على مستوى التوقعات». وتحدث مقرب من هذا الملف عن «فرصة أخيرة للتفاوض» وحث طهران على «اغتنامها»، مشدداً على أن هناك «مخاطر على السلام بسبب مبادرات إيران النووية».
إلا أن بعض المراقبين في باريس يستبعدون إمكان أن يكون التحرك الفرنسي ضمن «توافق الستة»، بل رأى أحدهم أنه كان من المفترض أن يكون هذا اللقاء «مبادرة تفيد الطرفين الإيراني والفرنسي» في عملية دعم نفوذ العاصمتين قبل أن يتفرغ أوباما للملف الإيراني. فساركوزي يستطيع أن يشير إلى أن «لفرنسا كلمة في الموضوع»، بعدما جذبت واشنطن نحوها كل التطلعات لحلحلة ملفات المنطقة ودعت إلى التريّث لما بعد انتخابات إيران في ما يتعلق بالنووي، فيما محمود أحمدي نجاد يستطيع أن يشير للناخب الإيراني إلى أن طريق التفاوض ليس مقطوعاً. إلا أن تصريحات هذا الأخير وردة فعل الإليزيه جاءت لتؤكد أن الملف الإيراني لا يزال ينتظر أوباما.