«الأكثرية الشعبية» في الطليعة و«الاشتراكي» قد لا يتخطى حاجز الـ20%باريس ــ بسّام الطيارة
غداً يتوجّه الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع للتصويت على لوائح نوّابهم الأوروبيّين. استطلاعات الرأي تقول إن حزب الرئيس «اتحاد الأكثرية الشعبية» سوف يكون في طليعة الأحزاب الفرنسية، وتعطيه هذه الأرقام نحو ٢٧ في المئة، بينما لا يحصل الحزب الاشتراكي على أكثر من عشرين في المئة. ويقول البعض أقل من ذلك، ما يشير إلى «انزلاقه» للمرة الأولى تحت عتبة الـ٢٠ في المئة.
والواقع أن أسباب هذا التراجع كثيرة منها: النزاعات الداخلية «بين سيغولين رويال والباقين» داخل الحزب، التي تركت أثراً كبيراً على لُحمة المحازبين، ومنها خروج بعض الراديكاليين من الحزب مثل جان لوك ميلانشون، الذي استنهض «يساريي الاشتراكي»، وألّف حزباً يحمل لواء اليسار الراديكالي، وتحالف مع الحزب الشيوعي، الذي تتزعّمه ماري جورج بوفيه.
ويتقدّم هذا التحالف إلى الانتخابات الأوروبية تحت تسمية «جبهة اليسار»، التي تحظى حسب الاستفتاءات ما بين الـ ٦ والـ٧ في المئة. كذلك يوجد الحزب الجديد المعادي للرأسمالية، الذي يتزعمه أوليفيه بوزانسونو، والذي يمكنه أن يحصل على ما بين ٥ و٦ في المئة، وهو رقم مشرّف. أما من ناحية الوسط الذي يتزعمه فرانسوا بايروا، فإن الأرقام تشير إلى إمكان حصوله على حوالى ١١ في المئة، أي أقل من حزب الخضر (١٣في المئة)، الذي يتزعمه الآن كوهين بنديت «بطل أيار ٦٨».
ويستحوذ الصراع الحاد بينهما على المركز الثالث انتباه المراقبين لما يمكن أن تنعكس نتيجته مستقبلاً على ترشّح بايرو للانتخابات الرئاسية، وهو ما كان وراء «شجار تلفزيوني على الهواء» بين الرجلين، اللذين كانا صديقين. إذ اتهم بايرو محاوره كوهين بنديت بالـ «تودّد إلى ساركوزي، وعدم مهاجمته»، وأنه «تناول الغداء معه ثلاث مرات»، فأجابه بنديت بأن يجده «خسيساً دنيئاً» لأنه يعرف أن كل زعماء المجموعات النيابية يلتقون رئيس الجمهورية، وأن هذه الاتهامات «لا تمر على المواطنين». واستطرد متهكّماً على بايرو بقوله «ولأنك مثير للشفقة لن تكون رئيساً للجمهورية»، فما كان من بايرو إلا أن أجاب إنه أيضاً «يجده خسيساً، لأنه برّر في أحد الأيام العلاقات الجنسية مع الأطفال»، في إشارة مباشرة إلى كتاب نشره كوهين بنديت عام ٢٠٠١ عن «الحياة الجنسية للأطفال». وقد رأت كل الأحزاب المتنافسة أن بايرو وبنديت تجاوزا الخطوط الحمر في السجال السياسي.
ومن جهة أخرى، تُسجّل عودة لحزب اليمين المتطرف بزعامة جان ماري لوبن، الذي سجلت له الاستطلاعات نحو ٥ في المئة في ظل «انهيار» حزب النضال العمالي التاريخي، الذي من المستبعد أن يتجاوز الواحد في المئة، إذ من المنتظر أن يخطف بوزانسونو والجبهة اليسارية أصوات «اليساريين المهتمين بأوروبا».
والواقع أن هذه الانتخابات الأوروبية التي يتوقع أن يكون «الرابح الأول فيها الممتنعون عن التصويت»، لا تمثّل بالنسبة إلى الفرنسيين أيّ «تحدٍّ سياسي»: فهي لا تؤثّر مباشرةً في حياتهم اليومية، ومهما قيل عن تأثير أوروبا على القوانين الداخلية فإن هذه القوانين تضعها «المفوضية الأوروبية» غير المنتخبة. ومن هنا وصف المواطن الفرنسي للمؤسسات الأوروبية بأنها «تجمع موظفين يقبضون رواتب مرتفعة ولا يدفعون ضرائب».
إلا أن نتيجة انتخابات يوم الأحد المقبل سوف تساعد فقط على تقويم ميزان القوى في الساحة السياسية الفرنسية، وداخل كل حزب، تحضيراً لمعارك بعيدة المدى لن تحصل قبل ٢٠١٢، ولكنها سوف تسمح لكل القوى بتقويم وضعها داخل حزبها، وقياس نقاط ضعف خصومها. كما أن الرئيس نيكولا ساركوزي سوف «يستفيد» من هذه المناسبة لإجراء تغيير وزاري وصفه مقرّب من الإليزيه بأنه «طفيف».
ومن المعروف أن وزيرة العدل، رشيدة داتي، لن تكون حاضرة في الوزارة الجديدة، إذ إنها «الرقم ٢» على لائحة الأكثرية، وبالتالي فإنها أمّنت مقعداً في البرلمان الأوروبي، وهو ما عدّه البعض بمثابة «نفي سياسي»، بينما من المتوقع أن يدخل كلود أليغر، الوزير الاشتراكي السابق، إلى الوزارة ليجلس إلى جانب الاشتراكي «الخائن الأول» إيرك بيسون، وذلك في إشارة إلى مضيّ ساركوزي في سياسة «الانفتاح».
فقط مصير وزير الخارجية، برنار كوشنير، لا يزال غير معروف، رغم قول أكثر من مصدر إنه من المستبعد أن يتخلى عنه الرئيس. كما أعلن أمس الناطق الرسمي في وزارة الخارجية إيريك شوفاليه، المقرّب من كوشنير، والمعيّن سفيراً في سوريا، «برنامج سفر الوزير إلى أفريقيا في شهر تموز»، وهو ما فسّره البعض بأنه إشارة إلى بقاء الوزير في كرسيّه.
وكان إعلان سلسلة من تعيينات سفراء أغلبهم من المقربين من كوشنير قد فتح باب التخمينات على أساس مبدأ أن «الوزير يؤمّن مستقبل المقرّبين منه قبل خروجه».
والجدير بالذكر أن بيسون وكوشنير كانا من المقربين من رويال في السابق، بينما أليغر، الذي يقول البعض إن معظم وزراء اليمين لا يرغبون في وصوله، كان على خلاف معها منذ عهد فرانسوا ميتران.
وبالطبع لن تساعد هذه «الكيمياء السياسية» على تحبيب المواطن الفرنسي بالسياسة عموماً، ما يمكن أن ينعكس بنسبة ممتنعين عن المشاركة تتجاوز الـ ٦٣ في المئة، وخصوصاً إذا ما بقي الجو جميلاً والحرارة مرتفعة.