السلطة تتذرّع بالتهريب والمتمردون يعزفون على وتر المذهبيّةمعمر عطوي
عادت محافظة سيستان بلوشستان الإيرانية إلى واجهة الأحداث خلال الأسابيع الأخيرة، ولا سيما بعد تفجير مسجد أمير المؤمنين في عاصمتها، زاهدان (420 ألف نسمة)، الذي أودى بحياة 25 شخصاً وإصابة نحو مئة بجروح.
هذا التفجير الانتحاري، الذي أعلنت منظمة «جند الله» المتطرفة مسؤوليتها عنه، شكّل منعطفاً خطيراً في إحدى أهم محافظات إيران الثلاثين، ليزيد من الفجوة بين إيران الشيعية ودول ذات غالبية سنيّة، ولا سيما مع استمرار النزاع المذهبي في أكثر من دولة عربية وإسلامية، منها لبنان والعراق والبحرين وباكستان والسعوديّة.
من هنا، لا يمكن فصل ما يحدث في جنوب شرق إيران على الحدود مع باكستان وأفغانستان، عما يحصل في المنطقة من تحوّلات وأجواء شحن توظّف الدين في اللعبة السياسية القذرة.
فمحافظة سيستان بلوشستان، الواقعة على خط تهريب المخدّرات الأفغانيّة عبر الأراضي الباكستانية والإيرانيّة إلى العالم، هي بؤرة توتر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل هي قنبلة موقوتة على غرار الكثير من فتائل التفجير القائمة في الكثير من دول المنطقة. فالسلطات الإيرانيّة تختصر النزاع بالخروج على القانون والتهريب، وتشكيل خلايا إرهابية مدعومة من السعوديّة عقائدياً ومالياً، ومن أميركا والاستخبارات الباكستانية تسليحياً ولوجستياً، من أجل إضعاف النظام الإسلامي. أمّا المعارضة، متمثلة ببعض الجمعيّات الأصولية السلفيّة والقومية، فتختصر النزاع بـ«اضطهاد السلطة الشيعية لأهل السنّة والجماعة، وحرمانهم من أبسط حقوقهم في ممارسة شعائرهم وبناء مساجدهم ومدارسهم، والاحتفاظ بثقافتهم البلوشية المغايرة للثقافة الفارسية السائدة في إيران والقيام بإقفال مساجد ومدارس دينية وهدمها، واعتقال رجال دين سنّة على نحو متواصل». حجّة قد لا تصمد أمام ادّعاءات أخرى تقول إن «السلطات الإيرانية تضطهد البلوش، كقومية، بمن فيهم السنّة والشيعة على السواء».
وقد يكون للعاملين: الإثني والمذهبي، الدور الأهم، في حرف دفة النزاع عن سياقه السياسي والأمني نحو مآرب أخرى لإضعاف «الدولة النووية»، بعدما عجز الغرب عن مواجهتها عسكريّاً واقتصاديّاً. بيد أن هذين العاملين لا ينبغي أن يساهما في التعمية عن واقع منطقة، هي بالفعل محرومة وتعاني من التهميش من قبل الحكومة في طهران.
فالمحافظة الثالثة من حيث كبر مساحتها، والتي تمتد على 181600 كيلومتر مربع من الأراضي الإيرانية، والحاضنة لـ3.1 ملايين نسمة، تعاني بالفعل من إجحاف على غرار مناطق الأطراف التي تتراجع التنمية فيها لمصلحة محافظات المركز.
واقع اعترف به رئيس دائرة العدل في المحافظة، إبراهيم حميدي، حين أعلن في 6 حزيران، أن «جميع الأحداث التي تقع، لها جذور في المشاكل الاجتماعية والفقر الثقافي».
واللافت في تصريح حميدي أن طهران تحاول امتصاص النقمة المتولّدة بدافع مذهبي. إذ أكدت أن المعتقلين المئة والخمسين المتّهمين بالأحداث الأخيرة في المحافظة، هم من الشيعة والسنّة على السواء.
ويلاحظ المراقب أن البلوش (ذوو الأصول العربية) لا تربطهم علاقة ودّ مع الفرس ويصفونهم بالغجر. ويعود هذا النعت الى القرن التاسع عشر، حين حاول الشاه القاجاري (الغجري)، ناصر الدين شاه، أن يُخضِع الإقليم البلوشي لسلطته، من دون أن يتمكن من ذلك.
لكن بعد وصول الشاه رضا بهلوي الى السلطة في إيران في عام 1928، قضى على آخر معاقل المقاومة في إقليم «بلوشستان»، الذي كان خاضعاً للحكم الذاتي.
وما إن دخل الجيش الإيراني الى الإقليم، حتى حوّل اسمه الى سيستان وبلوشستان، جاعلاً منه شطرين: بلوشي شيعي (سيستان)، وآخر بلوشي سني (بلوشستان).
لعلّ السلطات الإيرانية هي نفسها من ساهم بزرع بذور التمرد لدى سكان هذه المحافظة، حين منعت القراءة والكتابة والاعلام والمحاكم باللغة البلوشية، وفرضت الثقافة الفارسية، بل وصل الأمر معها الى منع الأهالي هناك من ارتداء الزي البلوشي، الشبيه للزي الهندي والباكستاني، حسبما تقول مصادر المتمردين.
ومنذ عهد الشاه، حتى اليوم، تشهد هذه المنطقة الحدودية اضطرابات واشتباكات بين المتمردين وقوى الأمن، التي تتهمهم بتهريب المخدرات وممارسة أعمال إجرامية وتجسسية.
وتقول السلطات الإيرانية إن مهربي المخدرات هم الذين يدعمون بعض حركات التمرد، ولا سيما «جند الله»، بعدما رفض معظم مشايخ أهل السنة الاستجابة لزعيم هذا التنظيم، عبد المالك ريغي، قبل خمس سنوات، بتشكيل منظمة تعمل ضد النظام الإسلامي في البلاد. إلا أن طهران تدّعي أن المتمردين أصبحوا ألعوبة بأيدي الاستخبارات الغربية والإقليمية، ولا سيما الأميركية والسعوديّة، والتي تهدف إلى تقويض النظام الإسلامي، فيما يرى مراقبون أن «جند الله» أصبحت فرعاً لتنظيم «القاعدة» في إيران.
كذلك تنشط في المحافظة، تنظيمات أخرى، بعضها ذو أصول صوفية، وأكثرها سلفي أو متجذّر من أفكار «الإخوان المسلمين»، لعلّ أهمها «حزب الفرقان» و«حركة الجهاد الإسلامي».
في أي حال، لا يمكن اختصار النزاع في هذا الإقليم المضطرب، بأحداث أمنية «مشبوهة» أو بتهريب المخدرات الذي كلّف الإيرانيين ما يزيد على ثلاثة آلاف قتيل من قوى الأمن. إذ إن توظيف التناقضات الإثنية والمذهبية، في النزاع الدائر هناك، قد يمتد ليشمل المنطقة برمتها.


«جند الله»والجدير ذكره أن ريغي نفسه كان قبل إعلان تمرده، مسجوناً في زاهدان بسبب خلافات قبلية. أمّا أحد أشقّائه فلا يزال مسجوناً في طهران، فيما قتل الثاني أمام عينيه بأيدي عناصر الحرس الثوري منذ خمس سنوات.
جمع عبد المالك، الذي ينتمي إلى قبيلة ريغي (إحدى أكبر القبائل البلوشية)، عدداً من رفاقه للقيام بعمليات مسلّحة ضد القوات الحكومية في الإقليم، تحت اسم منظمة «جند الله». لكنها في الفترة الأخيرة غيّرت اسمها الى «حركة المقاومة الوطنية الإيرانية» التي تسعى إلى الحكم الذاتي.
(الأخبار)