قد تكون المنافسة الانتخابية في الدورة الحالية هي الأحمى منذ قيام الجمهورية الإسلامية، حماوة تستند إلى أنها لم تقتصر على طرفي الحياة السياسية الإيرانية (الإصلاحيين والمحافظين)، بل إنها أفرزت انقسامات في المعسكر الواحد، وأدخلت المرشد في خضمّ المعركة
طهران ــ محمد شمص
تختلف المعركة الرئاسية في إيران عن سواها من الدورات الانتخابية السابقة لجهة التحوّل في الاصطفافات السياسية التقليدية وتنوّعها، حيث لا يمكن اعتبارها معركة بين الإصلاحيين والمحافظين على وجه الدقّة، بل مواجهة بين الرئيس محمود أحمدي نجاد وجبهة معارضين سياسيين تضم «المحافظين البراغماتيّين» أي «جبهة الأصوليّين الموسّعة» وأبرز قادتها رئيس البرلمان علي لاريجاني، وجبهة الأحزاب الإصلاحية الطامحة للعودة إلى السلطة بعد غياب قسري دام أربع سنوات.
وبعبارة أدقّ، يسعى الإصلاحيون إلى الاستفادة من وجود معارضين لنجاد في صفوف المحافظين، من دون أي تحول جوهري في هوية الصراع، وماهيّته بين الإصلاحيين والمحافظين. معركة الهدف منها تغيير صورة إيران المتطرفة، بحسب مرشح الإصلاحيين الأوفر حظاً مير حسين موسوي، وترفع الشعارات نفسها التي ناضل من أجلها الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، أي التغيير لنيل المزيد من الحرية والديموقراطية.
إلا أن الخلاف بين الجناحين ذو جذور أيديولوجية وفكرية حسب الإصلاحيّين، والتغيير المطلوب يتجلّى في العودة إلى القانون حيث الحكم بشقّيه «الجمهور والإسلام»، انسجاماً مع شعار الجمهورية الإسلامية، فيما ممارسات المحافظين العملية وسلوكهم السياسي هما ترجمة لنظام الحكومة الإسلامية لا الجمهورية.
هي معركة بشأن تطبيق القانون حسب قراءة كل طرف، وانتفاضة على المؤسسات التشريعية، ودعوة إلى إصلاحات دستورية تشمل أهم المؤسسات الرسمية كمجلس صيانة الدستور وصولاً إلى صلاحيات الوليّ الفقيه ومدة ولايته وطريقة انتخابه.
فشل هذه الشعارات خلال تجربة خاتمي دفع الإصلاحيين إلى قراءة ذاتية متأنّية، فاختاروا لحملتهم الانتخابية التصويب على منافسهم الصلب محمود أحمدي نجاد من قناة الأزمة الاقتصادية، التي ستحدّد رئيس إيران المقبل. والمفارقة أن الأزمة نفسها جاءت بنجاد عام 2005، بعدما وعد بحماية الفقراء وتوزيع عوائد النفط على موائدهم، وتقسيم عادل للثروة ورفع الأجور والقضاء على البطالة ومكافحة الفساد. لكن الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الأربع الأخيرة شهدت تراجعاً ملموساً دفعت بالسواد الأعظم من الإيرانيين للشعور بأن رئيسهم أخفق في تحقيق إنجازات اقتصادية مهمة، إذ بلغ التضخم 25 بالمئة والبطالة 16 بالمئة. وزادت محاولات نجاد الإنقاذية من هذا الشعور لدى الإيرانيين، وتعاظمت النقمة الشعبية على حكومته بعد تنفيذه خطة تقنين البنزين، وأدت إلى احتجاجات وأعمال شغب في الشوارع، رغم أن الخطة وفرت على الخزينة بين 6 إلى 9 مليارات دولار سنوياً.
السياسات الخارجية دخلت أيضاً بازار الانتخابات والتنافس بين الجناحين الرئيسيين في إيران. فالمرشحون الإصلاحيون يتهمون الأصوليين وزعيمهم نجاد بالإساءة إلى صورة إيران واحترامها أمام العالم، وأنه يقود البلاد إلى الهاوية، بعدما أفقدها صداقاتها مع دول الجوار.
في المقلب الآخر، شعر الأصوليون بالخطر من مشاريع الإصلاحيين وحلفائهم ودعواتهم، فهم «يريدون أخذ إيران إلى غير موقعها الإقليمي والدولي المناهض لأميركا وإسرائيل، وتقديم تنازلات مجانية في الملف النووي، إضافةً إلى التفريط بمكتسبات الثورة وقيمها»، حتى إن شائعات تسري بين الشباب والشابات أن المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي سيحرّر المرأة من الحجاب بعد إعلانه أنه سوف يمنح النساء المزيد من الحريات ويلغي دوريات شرطة الأخلاق.
هذه الثوابت الدينية والثورية، التي تتماهى مع توجهات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، دفعته إلى التأكيد على صوابية نهج الحكومة الحالية في السياسات الخارجية. ودعا إلى عدم التصويت «للمستسلمين أمام العدو».
هذا الخلاف الحاد على طريقة إدارة البلاد سياسياًً واقتصادياً وثقافياً، رافقته حماوة في الشعارات الانتخابية، وتبادل الاتهامات والتراشق الكلامي وصل إلى حد اتهام رموز تاريخيين بالفساد، حين شنّ نجاد هجوماً عنيفاً على «الحلف الثلاثي المتآمر»، وقصد به رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني ومير حسين موسوي ورئيس مجلس الشورى الأسبق ناطق نوري، الذين اتهمهم بالفساد المالي، وجني الثروات غير المشروعة، ما فجّر أزمة سياسية جديدة في البلاد.
خطورة الموقف وشدة التنافس وتقارب أصوات الناخبين بين المرشحيَن موسوي ونجاد (43 في المئة لكل منهما) أخرجت الكثيرين عن صمتهم، ودفعت إلى اصطفاف سياسي حاد بين أهم وأبرز الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية. فأعلن آلاف علماء الدين تضامنهم مع نجاد وإنجازاته في مواجهة «الحملة الظالمة» ضده، واتهم الحرس الثوري معارضي نجاد بالعمل على القيام بـ«ثورة مخملية». واستنفرت «جبهة الأصوليين المتحدة» كل طاقاتها وإمكاناتها لدعم نجاد، إذ أطلقت بقوة ماكينتها الانتخابية بعد شعورها بالخطر والقلق من قوة قاعدة موسوي الشعبية. وبدا واضحاً للمراقبين دعم شريحة واسعة من عناصر التعبئة (الباسيج) لنجاد، رغم الموقف الرسمي لقيادتها بعدم انحيازها لمصلحة مرشح دون آخر.
وبالنسبة إلى تحالف «موسوي ـــــ خاتمي ـــــ رفسنجاني»، اصطفّت خلفه قيادة «جبهة المشاركة»، أكبر الأحزاب الإصلاحية وزعيمها محمد رضا خاتمي، وتجمع العلماء المبارزين ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، و«كوادر البناء» وشخصيات سياسية مستقلة. وتشيع مصادر إصلاحية أن رئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، وهو أبرز وجوه «جبهة الأصوليين الموسّعة»، إلى جانب رئيس بلدية طهران محمد رضا قاليباف، يدعمان موسوي في الانتخابات، إضافةً إلى رئيس مجلس الشورى الأسبق ناطق نوري.