أدىّ إعلان فوز الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، بولاية رئاسية ثانية إلى ظهور «ثورة مخمليّة خضراء»، تجلّى من خلالها انقسام الإيرانيين في الشارع، وسط أحداث شغب ومواجهات بين الشرطة وأنصار الإصلاحيين، الذين تم اعتقال بعض قادتهم
طهران ــ محمد شمص
شدد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أمام حملة التشكيك بنزاهة الانتخابات التي أوصلته مجدداً إلى كرسي الرئاسة بنسبة 62.63 في المئة، في مقابل 33.75 في المئة لمنافسه الإصلاحي مير حسين موسوي، على صحة هذه النتيجة، التي خوّلته الفوز من الدورة الأولى بأصوات أكثر من 24 مليوناً وخمسمئة ألف ناخب إيراني، فيما صادقت وزارة الداخلية على هذه النتيجة رسمياً، وأيدتها أعلى سلطة في البلاد، أي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، السيد علي خامنئي.
وقلل نجاد، الذي وصفه المتظاهرون بالديكتاتور، أمام الآلاف من أنصاره الذين احتشدوا في طهران للاحتفال بالفوز، من أهمية الاحتجاجات التي وقعت أول من أمس في شوارع طهران، قائلاً إنها «غير مهمة وطبيعية، فالمتظاهرون لا يتجاوز عددهم أصوات ناخبين لصندوق واحد».
وتساءل الرئيس الإيراني «هل الديموقراطية التي تصبّ في مصلحتهم هي ديموقراطية وإلا ليست كذلك؟»، واصفاً «الانتخابات في إيران (بأنها) الأنظف»، مضيفاً «إنه نصر عظيم وملحمة ضخمة، وهذه الانتخابات كانت حرة تماماً». وأكد أنه سيدافع عن حقوق وأصوات ناخبيه والشعب الإيراني، مشدداً على تقديم مشروع «من أين لك هذا؟»، إلى مجلس الشورى للكشف عن أموال وممتلكات المسؤولين الإيرانيين كافة خلال 30 سنة منذ انتصار الثورة الإيرانية. وأضاف أنه غير نادم عن كشف الأسماء، التي ذكرها على شاشات التلفزة قبل الانتخابات، واعداً بمواصلة سياساته في محاربة الفساد والمفسدين.
وكان المستشار الإعلامي لنجاد، علي أكبر جوانفخر، قد أمل «أن يتم مع الوضع الجديد إجراء تطهير جديد ومباشر لمؤسسات السلطة».
وهاجم الرئيس الإيراني بشدة نظيره الأميركي باراك أوباما، حين قال إنه ينتظر التغيير في إيران كما حدث في لبنان. وقال إن «الشعب الإيراني قرّر مصيره وهذا هو خياره»، مضيفاً أنه «يدرس مواقف الدول بشأن الانتخابات الإيرانية وسيبني عليها».
وفي الملف النووي، جدد نجاد التشديد على أن هذا «الملف قد طوي، وانتهى، وليس هناك شيء للحديث عنه في هذا المجال سوى إعلان إيران استعدادها للمشاركة في نزع أسلحة الدمار الشامل على مستوى العالم»، مستبعداً أي ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية لبلاده على قاعدة أنها «مجرد دعايات إعلامية ولا توجد قوة في العالم يمكن أن تهدد إيران، ولا سيما أن الظروف العالمية قد تغيرت».
وأعلن نجاد نيته عدم المشاركة في اجتماع دول حركة عدم الانحياز في العاصمة المصرية، ما لم تطرأ تطورات جديدة، كاشفاً عن أن «محاولات إعادة المياه إلى مجاريها بين القاهرة وطهران لم تحقق المطلوب حتى الآن».
وأثناء إلقاء نجاد كلمته، تجمّع المئات من أنصار موسوي بالقرب من ساحة «وليّ عصر»، وهم يهتفون ضده، فاشتبكوا مع رجال الشرطة الذين تعرّضوا لهم بالضرب بالهراوات والقنابل المسيّلة للدموع. كذلك أطلق رجال الشرطة ما لا يقل عن أربعة أو خمسة عيارات نارية في الجو لإرغام المتظاهرين على التراجع في إحدى جادات طهران، حسبما أفادت وكالة «فرانس برس».
وكان الآلاف من المتظاهرين الإصلاحيين قد حوّلوا ليل طهران إلى نهار يوم السبت، بإضرامهم النار في الطرق والمحال التجارية وبعض الحافلات العامة وتحطيم زجاج السيارات والمصارف الحكومية، تعبيراً عن غضبهم واعتراضهم على نتائج الانتخابات. وهم يهتفون «ديكتاتورية، ديكتاتورية» و«فلتستقل حكومة الانقلاب».
وضربت القوى الأمنية بيد من حديد، حيث ساد الهدوء الحذر غالبية شوارع طهران، فيما اعتقلت لساعات عشرة من قادة «حزب المشاركة الإصلاحي» المتهم بتنظيم الاحتجاجات. وأبرز المعتقلين محمد رضا خاتمي، شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي، والأمين العام لحزب المشاركة، محسن ميردامادي.
وقال نائب القائد العام للشرطة، اللواء أحمد رضا رادان، إنه «تم اعتقال 160 عنصراً مخلاً بالأمن، ومنهم ستون من المدبرين لهذه الاضطرابات»، موضحاً أنهم كانوا ينسّقون مع جهات خارجية ومؤسسات إعلامية أجنبية.
في المقابل، شدد المرشح الإصلاحي، مير حسين موسوي، في بيان، على ضرورة مواصلة التحرك الشعبي السلمي في كل أنحاء إيران، في وقت قدم فيه إلى مجلس صيانة الدستور طلباً بإلغاء نتائج الانتخابات بسبب «المخالفات» التي تخللتها، مشيراً إلى أنه تقدم بطلب ترخيص لتظاهرة كبرى سيقودها بنفسه اليوم في طهران.
وكان موسوي قد تحدث عن «عصا سحرية» في ما يتصل بالنتائج، مؤكداً أن موقف المسؤولين عن العملية الانتخابية لا يؤدي سوى إلى «إضعاف النظام الإسلامي وإرساء الكذب والطغيان».
ولاحقاً، أصدر موسوي بياناً آخر، طالب فيه رجال الدين الإيرانيين بعدم التزام الصمت عن «التلاعب بالأصوات». لكن المرشد الأعلى علي خامنئي وصف عملية الاقتراع بأنها «معجزة إلهية لا نظير لها في تاريخ انتخابات إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية».
وأشاد خامنئي بالمشاركة الواسعة، قائلاً إنها «عيد حقيقي». لكنه حذّر من احتمال «قيام الأعداء بمحاولات مغرضة لسرقة حلاوة هذا الحدث من الشعب الإيراني».
في غضون ذلك، التقى رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني، خامنئي مرتين خلال اليومين الماضيين، في محاولة لثني نجاد عن مواقفه في موضوع الفساد. غير أن خامنئي نأى بنفسه عن الوقوف إلى جانب طرف دون آخر. وترددت شائعات أن رفسنجاني لمّح إلى استقالته ومواصلة التحرك في الشارع حتى يقدم الجانب الآخر ضمانات بطيّ ملف محاسبة الفاسدين.
من جهة اخرى، أعلنت قناة «العربية» الفضائية، ومقرّها دبي، أنها تبلّغت من السلطات الإيرانية إغلاق مكتبها في طهران لمدة أسبوع ومن دون تحديد سبب واضح للقرار. كذلك أعلن حجب مواقع إنترنت للإصلاحيين وتوقف عمل شبكة الهاتف.