رغم حال التأزّم في الوضع الداخلي الإيراني، إلا أن الأمور تبدو لا تزال تحت سيطرة المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، الذي قد يكون الرابح الأكبر من العملية الانتخابية الأخيرة، إذا صحّت مقولة أنه أراد منها توجيه رسالة صارمة إلى الغرب، تفيد بأن لا تنازل عن البرنامج النووي وعن دعم حزب الله وحركة «حماس»
علي شهاب
لم يستطع الإعلام الغربي والعربي تقديم صورة حقيقية لما يجري على الساحة الإيرانية بالتحديد، لاعتبارات يبدو أنها نابعة من عدم فهم عميق لتركيبة النظام والتوازنات الداخلية فيه، إضافة إلى قلّة دراية بنظرية ولاية الفقيه. فهناك جملة معطيات تخصّ اللاعبين الرئيسيين في الأزمة الحالية، لا بد من أخذها بالاعتبار:
أولاً: المصطلحات المستخدمة في فرز الشارع السياسي الإيراني بين «محافظ» و«إصلاحي» هي غربية المنشأ بالأصل، وليست وليدة اللعبة السياسية الداخلية. وبالتالي، فإن الانقسام السياسي ومواقف الأطراف المعنية لا تخضع لتلك الدرجة العالية من الحدة المتداولة في وسائل الإعلام. وإلا كيف يمكن تفسير أن مير حسين موسوي وهاشمي رفسنجاني، صديقي المرشد علي خامنئي، يقودان الحملة حالياً في وجه محمود أحمدي نجاد، تلميذ المرشد؟
ثانياً: مير حسين موسوي من الشخصيات الرئيسية في الثورة الإسلامية، فضلاً عن أنه صديق «مقرب جداً» من خامنئي وتربطهما علاقة قرابة (خامنئي هو ابن خالة والدة موسوي). والرجلان ينحدران من قرية «خامنة» في محافظة أذربيجان الغربية. وكان لافتاً، على سبيل المثال، تجاهل وسائل الإعلام للزيارة التي قام بها خامنئي، قبل أسبوع من الانتخابات، إلى منزل موسوي، علماً بأن المعروف هو أن خامنئي لا يزور أحداً من السياسيين.
ومن المعروف أيضاً أن موسوي، بخلاف الكثيرين من رجالات الثورة، لم ينضم يوماً إلى أي حزب. كذلك فإنه، منذ انتهاء ولايته رئيساً للوزراء، لم يدعم أي رئيس جمهورية. وهو يشتهر بدعمه للطبقة الفقيرة منذ الحرب العراقية ـــــ الإيرانية وبمواقفه العلنية المعارضة لسياسات أكبر هاشمي رفسنجاني، وخصوصاً في ما يتعلق بانفتاح الأخير (النسبي) إزاء الغرب ورؤيته الاقتصادية. وموسوي نفسه عمل مستشاراً لنجاد خلال سنته الرئاسية الأولى، وهو أحد المستشارين الكثر لخامنئي في الملف النووي.
ثالثاً: قبل أشهر قليلة، قرر الرئيس السابق محمد خاتمي الترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكنه سرعان ما سحب ترشحه بعدما رفض موسوي الترشح معه لتولي منصب نائب الرئيس. وعزا خاتمي سبب سحب ترشحه إلى أن المحافظين (الذين بدأوا حملة ضد الإصلاحيين منذ انتخاب نجاد رئيساً للمرة الأولى قبل 4 أعوام) «يميلون إلى موسوي الذي يؤمن بضرورة تغيير الأمور»، مضيفاً أن «موسوي الواسع الشعبية أكثر قدرة على تطبيق برنامج رئاسي مغاير». حينها، تحدث أكثر من مراقب ومتابع للشؤون الإيرانية عن «ولائية» موسوي وانسجام طروحاته إلى حد كبير مع التيار المحافظ، بل ذهب البعض إلى حد اتهام موسوي بالترشح بهدف «تشتيت أصوات الإصلاحيين»، بالتنسيق مع «المحافظين المعتدلين».
وتجدر الملاحظة هنا أن طروحات موسوي لم تُُشر من قريب أو بعيد إلى تبنّي سياسات التيار الإصلاحي، بل إن الرجل له مآخذ على «ليونة» المحافظين إزاء السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة.
رابعاً: المعطى الأهم يتمثل في أن خامنئي، المسؤول الأول والأخير عن الحفاظ على الثورة والنظام، لم يجد ضرورة لاستخدام سلطاته الفعلية لوقف ما يجري. بكلمات أخرى: لم تجد سلطة ولاية الفقيه أن هناك خطراً جديّاً يُحدق بالنظام، وجميع الأمور لا تزال تحت سقف الانقسام السياسي.
خامساً: لم يلتفت الكثيرون إلى صمت رفسنجاني إزاء ما يجري، عقب جلسته الأخيرة مع المرشد بعد ساعات قليلة من إعلان نتائج الانتخابات.
بناءً على هذه المعطيات، يبدو جلياً أن ما تشهده إيران هذه الأيام هو عبارة عن خلاف سياسي حقيقي تطور إلى اشتباك محدود على الأرض، وسط ضخ إعلامي مركز هدفه تعقيد الوضع. ويكمن جوهر الخلاف بين موسوي ونجاد في كون الأول ينتقد آلية إدارة البلاد ويناقش فعلياً في «سوء تدبير» بعض المسؤولين المحسوبين على الرئيس الحالي.
وقد وضعت الجلسة الشهيرة بين خامنئي وموسوي الخلاف في إطاره الصحيح، حين طلب المرشد من المرشح الرئاسي الاستمرار في احتجاجه وفقاً للقنوات القانونية، بينما كان يمكنه أن يُصدر «تكليفاً» أو «يتمنى» على موسوي الكف عن تحركه. من الواضح أن الحديث عن خطر على ولاية الفقيه يقارب الأوهام، وخاصة أنه لا يمكن بأي حال اعتبار موسوي المصفاة التي يمكن الاستخبارات الغربية تمرير مشروعها عبره.
في المقابل، لا يناقش الكثيرون في رضوخ نجاد لأوامر القيادة العليا. من هنا يمكن فهم حركة مجلس صيانة الدستور ومرونته في إصدار قرار بإعادة فرز الأصوات في بعض الصناديق المتنازع عليها. تكمن مشكلة موسوي في هذا المجال في أنه لا يملك وثائق ومستندات حقيقية تدعم اتهاماته بحصول تزوير. أما المرشح الإصلاحي الشيخ مهدي كروبي، الذي يظهر عدد الأصوات الضئيل التي حصل عليها مقدار القوة الشعبية للإصلاحيين، فيستطيع الاعتماد على «مخالفة» وحيدة مثار جدل تتمثل في اتهامه وزارة الداخلية بإخراج أكثر من 3500 من مندوبيه الأربعة آلاف من مراكز الاقتراع في طهران. مع ذلك، قد لا تُسفر عملية إعادة فرز الأصوات عن تغيير كبير في النتيجة، فالفارق يفوق العشرة ملايين صوت بين الفائز والأول على قائمة الخاسرين. وبعيداً عن التحليل المبني على معطيات الداخل الإيراني، يبرز ما يذكره التقرير البحثي الذي نشره معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» قبل أيام تحت عنوان «انقلاب خامنئي». يشير التقرير بصراحة إلى أن إعادة انتخاب نجاد تمثّل رسالة واضحة بعث بها خامنئي إلى الغرب: «إيران متصلبة في مواقفها حول برنامجها النووي، ودعمها لحزب الله وحركة حماس وسياساتها الإقليمية المتحدية».
لقد تعمدت السلطات، منذ اللحظات الأولى لإعلان النتائج، وقف الاتصالات عبر شبكات الإنترنت والهاتف المحمول والتشويش على البث الفضائي والإذاعي وطرد مئات الصحافيين الأجانب، حتى قبل أن يسقط أي قتيل في الشارع. مرة أخرى، يبدو أن «الولي الفقيه» يدير الأزمة على طريقته. لقد أعلن خامنئي حرفياً أنه يعلم بأن «أعداء الثورة» سيحاولون تشويه «هذا النصر وهذه الفرحة».
وهنا تبرز الأسئلة الآتية: لماذا تمّ فصل الاستنفار الأمني والعسكري الإيراني، منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية، عن سياق التهديدات الإسرائيلية المتزايدة والمناورات الأخيرة؟ وكيف تُفسّر المناورات الجوية الإيرانية، الأضخم في تاريخ الثورة، قبل الانتخابات الرئاسية وأثناءها وبعدها؟ لم يُشر تقرير المعهد إلى هذه المسائل، لكنه وقع في الجدل الأميركي الأكاديمي القديم حول الموقف الأنجع للإدارة الأميركية في ظروف كهذه. يوضح التقرير: «في وقت سابق من هذا العام، عندما أدلى بخطابه بمناسبة السنة الإيرانية الجديدة (النوروز)، أصبح باراك أوباما أول رئيس أميركي منذ أزمة الرهائن عام 1979، يخاطب الشعب الإيراني باستعمال مصطلحات القادة الإيرانيين والجمهورية الإسلامية الإيرانية بدلاً من النظام الإيراني. وقد حرصت إدارة أوباما على عدم اتخاذ أي موقف يمكن أن ينظر إليه على أنه يدعم مرشحاً معيناً في الانتخابات الإيرانية. ومن المؤكد أن فريق العمل التابع للرئيس أوباما المختص بإيران يراقب انخفاض التأييد للرئيس أحمدي نجاد وينتظر ليرى ما الذي سيحدث». يتابع التقرير أن «انقلاب الولي الفقيه المدعوم من الجيش والحرس لمصلحة أحمدي نجاد يمثّل نقطة تحول في سياسات إيران الداخلية والخارجية لا يمكن الغرب أن يتجاهلها. إن رد فعل الولايات المتحدة على وجه الخصوص، مفيد ليس فقط للحركة الديموقراطية في إيران، ولكن أيضاً لجميع الديموقراطيين في الدول الإسلامية الذين يعانون في ظل حكومات استبدادية». ويضيف التقرير: «يجب على الولايات المتحدة، بالتنسيق مع دول أوروبا ودول أخرى، أن ترد على الرسالة التي بعث بها المرشد الإيراني الأعلى بإدانة الانتخابات ودعم مطالب الشعب الإيراني من أجل إجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة تحت إشراف مراقبين دوليين». فهل يقع الأميركيون مرة جديدة في الفخ نفسه، أي توحيد الإيرانيين عبر التدخل في شؤونهم؟ الإجابة رهن الأيام والأسابيع المقبلة.


حفيدة الخميني بين المعتقلين(الأخبار)