strong>يبدو أن الأزمة الإيرانية الداخليّة لم تكتمل فصولها بعد، بل أصبحت مثل موج البحر، ما إن تهدأ حتى تتفجّر من جديد، كأنّ تهديدات المرشد الأعلى، ومن خلفه الحرس، باتت غير ذات معنى لدى شريحة من الشعب
بعد ليل هادئ نسبياً أعقب مواجهات دامية شهدتها طهران يوم السبت، عادت أجواء الاحتجاجات إلى العاصمة الإيرانية مساء أمس، بعد دعوة المرشّح الخاسر مير حسين موسوي أنصاره إلى التظاهر في أكبر ساحات المدينة، وفاءً لضحايا المواجهات. وفي موازاة هذا التحرك، نفى مجلس صيانة الدستور ما نقل عنه من وقوع تجاوزات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وأعلن المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، عباس علي كدخدائي، عدم صحة ما نقلته وكالات الأنباء عنه سابقاً، من أنه اكتُشف وقوع تجاوزات في خمسين مركز اقتراع تضم في مجموعها ثلاثة ملايين صوت. وأوضح كدخدائي لمحطة «الجزيرة» الفضائية، أنه لا صحة لهذه المعلومات، مشيراً إلى أن تصريحاته الأحد أكدت أن عملية الفرز الجزئي في المجلس، الذي ينظر في الطعون المقدمة بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم تبدأ بعد عملياً، مشيراًً إلى أنها ستشمل عدداً من مراكز الاقتراع تضم في سجلاتها ثلاثة ملايين صوت.
ولفت كدخدائي إلى أن الشكاوى التي تقدّم بها المرشحون الخاسرون، مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحسن رضائي، أمام مجلس صيانة الدستور، أشارت إلى إقفال بعض مراكز الاقتراع قبل الوقت المحدد، ونفاد بطاقات الاقتراع، إضافة إلى اتهامات بشراء الأصوات. وكشف كدخدائي عن أن ما نسب إليه من تصريحات بخصوص القول إن عدد من أدلوا بأصواتهم في 80 مدينة يتجاوز من يحق لهم التصويت، «ليست صحيحة». وأشار إلى أن «هذا التوصيف ينطبق على خمسين مدينة فقط، وأن هذا الأمر يعدّ طبيعياً في الانتخابات الرئاسية، لأن الناخبين ليسوا مقيّدين بدوائر انتخابية محددة كما هو الحال في الانتخابات البرلمانية».
وقال كدخدائي إن «المخالفات التي يستعد المجلس للتحقق منها تعتبر جزئية. ولن تغيّر في أي حال نتائج الانتخابات»، التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد بفارق 11 مليون صوت عن أقرب منافسيه، الإصلاحي موسوي.
ونقلت «الجزيرة» عن كدخدائي استغرابه الحديث عن وقوع تجاوزات، بينما لم يبدأ المجلس بعد بفرز الأصوات، مؤكداً مرة أخرى أن «آليات المراقبة المتّبعة في نظام الانتخابات الإيرانية لا تسمح أصلاً بوقوع مخالفات كبيرة».
في غضون ذلك، تحدّى أنصار موسوي تهديدات الحرس الثوري الإسلامي بسحق أي تظاهرات احتجاجية، واحتشد نحو ألف متظاهر مساء أمس في ساحة «هفت تير»، وسط طهران، فيما قامت شرطة مكافحة الشغب بإطلاق الغازات المسيلة للدموع لتفريقهم، واعتقلت بعضاً منهم، حسبما نقل شهود عيان.
وكان المتظاهرون قد تناقلوا عبر موقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، «تويتر»، دعوة إلى التجمع في هذه الساحة عند الساعة الرابعة بعد الظهر، إحياءً لذكرى الشابة «ندى» التي قتلت في تظاهرة السبت برصاصة في صدرها، حسبما ظهر في شريط مصوّر بُثّ عبر الإنترنت وشاهده الكثيرون.
وقال شاهد آخر، إن الشرطة أطلقت ما لا يقل عن سبع قنابل مسيلة للدموع باتجاه مجموعة من نحو 200 متظاهر كانوا يصرخون «الله أكبر». وأكد شاهد أنه رأى عشرة أشخاص على الأقل معتقلين في آليات الشرطة، فيما قال آخر إنه شاهد رجلاً يتعرّض للضرب بالهراوات.
وكانت الأحياء المؤيّدة لموسوي، في شمال طهران، قد شهدت صعود أنصار المعارضة إلى أسطح المنازل بعد حلول الظلام، وراحوا يكبّرون في تكرار لأساليب استخدمت في الثورة الإسلامية عام 1979.
في المقابل، حذّر الحرس الثوري الإسلامي من «مؤامرة كبرى ضد الثورة والشعب الإيراني»، يقوم بها «المشاغبون والفوضويون». ودان الحرس بشدة، في بيان أمس، «التحركات غير القانونية والمخالفة لنهج الإمام الراحل (الخميني) وقائد الثورة» آية الله علي خامنئي.
ودعا الحرس «العناصر الرئيسية والمخدوعين والمغرّر بهم إلى أن يتحركوا ضمن المسار العقلاني، والاهتمام بمصالح البلاد، وأن ينهوا نشاطاتهم التخريبية والفوضوية، التي أدت إلى سلب المجتمع أمنه وهدوءه ورفاهيته، وإلا فلينتظروا التصدّي الحازم والثوري من قبل أبناء الشعب الإيراني في حرس الثورة والتعبئة وسائر القوى الأمنية، ليطووا سجل الفتنة والفوضى من خلال تنفيذهم لواجباتهم القانونية».
وأوصى البيان «القوى المتغطرسة بأن الأفضل لها أن تقلق على أوضاعها الداخلية في بلدانها، وكذلك ظروفها الحرجة في الدول التي تقع تحت احتلالها أو تعرّضت لعدوانها، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، لأن الشعب الإيراني سيكون قادراً على صيانة إنجازاته في حماسة الـ12 من حزيران».
كذلك أعلن قائد شرطة طهران عزيز الله رجب زادة أن قواته «ستواجه كل التجمهرات والاضطرابات بكل قوتها».
من جهتها، دعت الشرطة الإيرانية، في نداءات بثّها التلفزيون، إلى الوشاية «بالمشاغبين» الذين يشاركون في تظاهرات المعارضة للتعرّف إلى هوياتهم.
وقال النداء إنّ «على المواطنين تقديم كل المعلومات والصور التي في حوزتهم للشرطة لاعتقال المشاغبين»، فيما أنشأت وكالة «فارس» القريبة من الحكومة قسماً خاصاً أطلقت عليه اسم «بلّغوا عن المشاغبين».
كذلك كشف رئيس اللجنة القضائية في البرلمان الإيراني، علي شاهروخي، أن طهران تستعد لمقاضاة موسوي. ونسبت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية إلى شاهروخي قوله إن الأمور جاهزة لملاحقة موسوي بسبب ما سمّاه «تحرّكه ضد الأمن القومي الإيراني».
إلى ذلك، أعلنت إذاعة طهران الرسمية، أمس، أن 457 شخصاً اعتقلوا السبت خلال التظاهرات في وسط العاصمة، لكنها أضافت أن العاصمة نعمت بالهدوء مساء الأحد ـــــ الاثنين، للمرة الأولى منذ إجراء انتخابات الرئاسة في 12 حزيران.
من جهة ثانية، أُفرج عن فائزة هاشمي، ابنة الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وأربعة أفراد من عائلته بعدما أوقفتهم قوات الأمن، «حفاظاً على أمنهم»، حسبما أفادت وكالة «فارس» الإيرانية.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، أ ب، مهر)