يواصل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تسجيل النقاط على منافسيه وتحويل مشاكل بلاده إلى إيجابيات لعهده. آخر «إنجازاته» جمع الغرفتين التشريعيتين، حيث عرض أمامهما رؤيته الكاملة في الاقتصاد والاجتماع

باريس ــ بسّام الطيارة
... وأخيراً، حصل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على ما يريده: عودة عقارب الساعة إلى زمن الجمهورية الثالثة. فقد جمع قبل يومين، للمرة الأولى منذ ١٨٤٨، مجلسي الشيوخ والنواب في قصر فرساي، ليعرض عليهما خطوط سياسته في النصف الثاني من ولايته، وهو ما سمحت به التعديلات الدستورية التي فرضها فور وصوله إلى الإليزيه.
ووضع مراقبون هذه الخطوة في خانة سعي الرئيس إلى التماثل مع النظام الرئاسي الأميركي. ودعا قاطن الإليزيه زوجته كارلا بروني وحماه ماريزا، إضافة إلى جمع من أصدقائه ومعاونيه، ليستمعوا إلى كلمته، وهو ما أضاف «مسحة أميركية» أخرى على المؤتمر الذي بات يعرف بـ«الكونغرس الكبير».
ورغم ذلك، فقد كان إجماع على أن خطاب ساركوزي لم يحوِ أي جديد رغم أنه دام ٤٥ دقيقة، صفّق خلالها فقط حزب الرئيس «التجمع من أجل حركة شعبية»، فيما اكتفت المعارضة بالابتسام؛ خطاب كرّر فيه «وصفاته للأزمة الاقتصادية» التي تتخبّط فيها فرنسا، والتي باتت ترمي شهرياً ألوفاً من العمال في البطالة.
إلا أن الجميع فهم أن ساركوزي أراد خطابه لـ«تكريس انتصاره» في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، وأيضاً الإعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة؛ فالرئيس بات ينظر إلى استحقاق عام ٢٠١٢، وهو ما دفعه لتقديم «هدايا إلى العمال» بإعلانه أن كل «مصروف من الخدمة بسبب الأزمة الاقتصادية سيتابع تقاضي راتبه لمدة عام». خطوة اعتبرها البعض «مزايدة إعلانية»، إذ إن القوانين الاجتماعية الحالية ليست بعيدة عن هذا المقياس. ونفى ساركوزي أيضاً نيّته زيادة الضرائب لسد العجز، والاكتفاء بـ«قرض كبير»، وهو ما عدّه البعض هدايا «يمينية» للطبقات الميسورة.
رغبة ساركوزي في ترك دمغته الخاصة في المجتمع الفرنسي لا تعادل قوّتها سوى غرابة الطروحات التي يفاجئ بها مستمعيه من حين إلى آخر؛ فقد أعلن أنه يجب وضع حدّ لهجرة المراهقين من التعليم، الذين يبلغ عددهم ١٣٠ ألفاً سنوياً، من دون أن يدخل في تفاصيل خططه للوصول إلى هذا الهدف، علماً بأن هذه السنة شهدت إضرابات متواصلة في المدارس والجامعات بسبب الطروحات الساركوزية الساعية لإنقاص عدد الأساتذة وحصر النفقات.
وتجاوز الرئيس في خطابه قضايا البيئة، إلا أنه لم يتجاوز مسألة البرقع والنقاب اللذين يثيران جدلاً قوياً في فرنسا بعد طلب النائب عن الحزب الشيوعي، أندريه غيران، تأليف لجنة تحقيق برلمانية في الأمر. ويعرف ساركوزي أنّ هناك إجماعاً في التيارات السياسية المختلفة على رفض البرقع وما يمكن أن يمثّله من «رمز لاستعباد المرأة» بحسب تعابيره، وبالتالي يمكن اعتبار تناوله في مقدمة خطابه «سحباً للبساط من تحت أرجل اليسار»، وإعادة ربطه بقوانين منع الحجاب في عام ٢٠٠٤، وهي التي استفاد منها اليمين استفادة بارزة آنذاك.
والجدير بالتنويه هو أن مسألة البرقع، مثل كل المسائل التي تمس الهجرة والمهاجرين، باتت محط نزاع قوي بين اليمين المتطرف والحزب الشيوعي اللذين يتنافسان على شرائح المجتمع الفقيرة، وخصوصاً العمال، إذ يرى بعض هؤلاء أن «المهاجرين يأكلون قوتهم»، ويسرقون فرص العمل من أمامهم. وبالتالي، يمكن البرقع والنقاب، وهما رمزان «نافران وغريبان عن المجتمع الفرنسي»، أن يمثّلا نقطة تمحور وتوافق لعدد كبير من المواطنين الفرنسيين، وخصوصاً إذا وُضعا تحت عنوان حرية المرأة وعتقها من قيودها.
رغم ذلك، يدرك ساركوزي، ومعه عدد متزايد من مواطنيه، أن هذا الملف يطال أيضاً شقاً آخر من فضاء الحريات. فرغم «التوافق على أن البرقع لا يتوافق والعادات الفرنسية»، إلا أن فرض «منع ارتدائه منعاً كاملاً بموجب قوانين»، يمثّل تعدّياً صارخاً على الحريات الفردية، وتحديداً في حال تعميم المنع، بخلاف الحجاب المحظور حصراً في المدارس والمؤسسات العامة، وهو المنطق الذي يجادل فيه عدد من المفكرين ومعارضو «المنع بواسطة القوانين».
بالطبع، لم يأخذ ساركوزي موقفاً حاسماً كعادته عندما يستعمل عبارة «أريد أن ...»، وترك الأمر للبرلمان كي يتدارس الأمر. وقد رأى البعض أن ساركوزي الذي وصف البرقع بأنه «ليس رمزاً دينياً بل رمز استعباد»، يردّ الكيل إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي انتقد فرنسا في خطابه الشهير متسائلاً «كيف يمكن دولة غربية أن تفرض على مسلمة ما يجب أن ترتديه؟».
وفي السياق، أعلن رئيس الجمعية الوطنية برنار أكوييه تأليف لجنة برلمانية ستجري تحقيقات على مدى ستة أشهر بشأن البرقع، وهي لجنة ستتألّف من 32 نائباً من كل التيارات السياسية في تموز المقبل.