لا يتوانى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن إظهار مدى إعجابه بالنظام الأميركي، لا بالكلام فقط، بل أصبح ذلك بالممارسة، من مخاطبته مجلس النواب إلى التعديلات الوزارية التي يجريها شخصياً
باريس ــ بسّام الطيارة
كالعادة، فاجأ الرئيس نيكولا ساركوزي الجميع بإعلانه، غداة خطابه في فرساي، تعديلاً حكومياً أكبر مما كان متوقعاً. وبرز جلياً من تفاصيل هذا التعديل، الذي خرج بموجبه ثمانية وزراء ليحلّ محلهم ثمانية جدد غاب عنهم وزراء «انفتاح وقطيعة»، أي اشتراكيون، أن الحكومة الجديدة تأخذ طابعاً أكثر يمينية. ورأى عدد من المراقبين أن هذا التعديل الرابع لحكومة فرانسوا فييون هو إشارة إلى تصلّب ساركوزي وشدّ عصبية حول أقرب المقرّبين، وفي مقدّمهم «رجل الظل القوي» بريس هورتيفو، الذي أمسك بوزارة الداخلية محل ميشال إليو ماري، التي انتقلت إلى وزارة العدل محل رشيدة داتي، التي كان متوقعاً خروجها. وقد أبقى ساركوزي وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد، وكذلك وزير الخارجية برنار كوشنير، الذي يمكن اعتباره من «كاسبي معركة التعديل»، إذ إنه «تخلّص» من سكرتيرة وزارته لشؤون حقوق الإنسان راما ياد، التي ما فتئت تنتقده بطريقة غير مباشرة، وأصبحت سكرتيرة لشؤون الرياضية.
ومن المفاجآت تعيين ابن شقيق الرئيس الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران، فرديريك ميتران، وزيراً للثقافة، الذي لا يخفي ميوله اليمينية منذ عهد «عمه». ورأى بعض المراقبين أنه بمجرد سماع اسم «ميتران» يستطيع ساركوزي أن يربح إعلامياً بتسليط الضوء على سياسة القطيعة والانفتاح. وجاء ميتران ليحتل كرسي كريستيان ألبانيل، «الشيراكية»، التي وصفها أحد المقرّبين من ساركوزي بأنها «صعبة المراس ومتغيّرة الأمزجة».
وبعد شهور قليلة على تسلّمه منصب الممثل الفرنسي لأفغانستان وباكستان، انتقل بيار لولوش، «الشيراكي الذي انتقل ليدعم ساركوزي»، وتولى في التعديل وزارة الشؤون الأوروبية، وهي منصب اعتبره البعض «منصة تدريب استعداداً لتسلّم الكي دورسيه (وزارة الخارجية)». وهو حلّ محل برونو لومير، الذي تسلّم منصب وزير التغذية والزراعة والصيد البحري المهم جداً، الذي يعتبر من «المعاقل الشيراكية».
ومعروف أن لومير مقرّب جداً من دومينيك دوفيلبان، الذي «ينظم حملة شرسة ولكن مخملية» ضد ساركوزي، ويرى البعض أن هذا المنصب الكبير هو محاولة لخلخلة مؤيّدي دوفيلبان.
إذاً لا انفتاح في أفق هذه الحكومة الجديدة التي أظهرت مرة أخرى تراجع دور رئيس الحكومة في ظل توجه نحو نظام رئاسي شديد. وفي المقابل، فإن بين الوزراء الجدد عدداً ممن يستطيع ساركوزي أن يعتمد عليهم إذا اشتدت حالة التوتر داخل عائلته السياسية مثل كريسيتان استروزي، الملقب بـ«المحارب»، والذي وضع يده على منطقة الكوت دازور بعد صراع مرير مع عدد لا يُعدّ ولا يحصى من الخصوم، من اليمين واليسار. ويُعدّ وصوله إلى الوزارة مكافأة له بعدما رفض منصب الأمين العام للحزب الحاكم. فالرئيس يحبّ الرابحين، وقد يكون هذا سبباً كافياً لإخراج «رفيق العمر» روجيه كاروتشي، الذي خسر معركة الترشح إلى الانتخابات الأوروبية. كذلك خرج إيف جيغو، الذي يلومه ساركوزي على إدارته للنزاع في أرخبيل الأنتيل، وفي المقابل فقد عُيّنت ماري لوس بنشار، المارتينكية الأصول، وزيرة ما وراء البحار. مع غياب الانفتاح على اليسار و«الإقلاع عن نهج التغرير بالاشتراكيين»، غابت أيضاً تجربة الانفتاح على «أجيال الهجرة» مثل ما حصل في الحكومات السابقة حين تسلّمت رشيدة داتي «وزارة كبرى»، فبقيت فقط فاضلة عمارة في منصبها لتمثّل إلى جانب راما ياد الأقليات الإثنية.
من جهة ثانية، لا تزال ردود الفعل تتوالى على كلام الرئيس الفرنسي بشأن النقاب، حين أعلن أنه «ليس مرحّباً به على أراضي الجمهورية»، واعتبره «رمزاً لاستعباد» المرأة، حيث رأت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، المدافعة عن حقوق الإنسان، أن حظر النقاب الكامل في فرنسا سيمثّل «انتهاكاً لحقوق الإنسان».
وقال مدير مكتب المنظمة في باريس جان ماري فاردو، في بيان، «إن حرية التعبير عن القناعة الدينية وعن الرأي من الحقوق الأساسية». وأوضح أن «مثل هذا الحظر الذي يقيّد فقط التعبير عن الدين الإسلامي سيوجه رسالة جديدة إلى الكثير من مسلمي فرنسا: أنهم ليسوا موضع ترحيب في بلدهم».
وفي السياق، ندّدت صحف سعودية بقوة بالموقف، ورأت أنه قد يكون محاولة لدفع المسلمين إلى مغادرة هذا البلد.