تجّار البازار»، فئة إيرانيّة تُعَدّ من المفاتيح في لعبة السياسة والتعبئة الشعبية في البلاد، إلى جانب دورها المركزي في الاقتصاد طبعاً. تجّار يتمركزون في العاصمة طهران خصوصاً، ويجمعهم عدم الرضى عن سياسات الرئيس محمود أحمدي نجاد.ومنذ انتصار الثورة في عام 1979، أدّى هؤلاء التجار، الصغار والكبار منهم، أي العاملون «بالمفرّق والجملة»، أدواراً كبيرة في صناعة خيارات البلاد السياسية والاقتصادية. وقد أفردت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، أمس، تقريراً عن وضعهم حيال أزمة ما بعد 12 حزيران الجاري، لكون هؤلاء، يحتكرون قدرة التأثير على نحو 3 ملايين تاجر صغير على طول البلاد وعرضها، كل واحد من هؤلاء يعتاش من عمله من 3 إلى 5 أشخاص. بالتالي، فإنّ هؤلاء يمثّلون تقريباً 6 ملايين إيراني وإيرانية، أي ما نسبته ربع المواطنين «النشطين» في المجتمع.
من هنا تنبع قوة هذه الفئة «في إحداث شلل تام في البلاد في حالات الإضراب العام»، بحسب «لو فيغارو»، التي تشير إلى أنّ التعبئة التي كان يمكن هؤلاء أن يفعّلوها في إقفال أسواق إيران، استجابة لدعوات إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية، لم تصل إلى ما أمله المرشح الخاسر مير حسين موسوي. والسبب، بحسب الصحيفة نفسها، أنّ هؤلاء يتخوفون من أن يكونوا «في مقدمة الخاسرين من الإضراب العام»، بما أنّ أحوالهم الاقتصادية تراجعت إلى درجات غير مسبوقة، وبات العديد منهم على شفير الإفلاس.
ورغم ذلك، فإنّ الجزء الأكبر من رجال البازار، عوّلوا على فوز موسوي، على أمل إزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد. غير أنّ الدعوة إلى الإضراب العام، منذ مطلع الأسبوع الماضي، لم تشهد نجاحات كبيرة. فوفق تعبير مهدي، أحد هؤلاء التجار، لا داعي للتظاهر والإضراب «لأنه كالعادة، من يتكلم كثيراً، فسوف يعاقَب، وبالتالي الغالبية العظمى من الناس ستصمت».
وبحسب مراسل «لو فيغارو» في طهران، تييري أوبرلي، فإنّ الشرطة السرية تملأ، منذ 12 حزيران، المربّع التجاري البالغة مساحته نحو 4 كيلومترات مربعة في جنوب العاصمة الإيرانية، لتراقب مَن التزم بدعوة الإضراب، ومَن لم يفعل. وتعود الصحيفة لتذكّر بأهمية سوق البازار الكبير في طهران. كيف لا، وهو بمثابة «الرئتين الاقتصاديتين» في البلاد، حتى إن الإيرانيين يعرفون القول الشائع: «عندما يصرخ البازار، ترتجف السلطة».
وعن الدور الذي أدّاه التجار في إنجاح ثورة الإمام الخميني، يشير التقرير إلى أنّ هؤلاء كانوا الأكثر فعالية في التخلص من الشاه، لأنّ الرجل «باع البلاد إلى الغربيين»، وجعل التاجر الإيراني الصغير «في منافسة غير متكافئة مع كبريات الشركات والوكالات الأجنبية».
وعن السبب الذي يحول دون نجاح الإضراب العام في الأزمة الحالية، يقول محسن، أحد التجار الصغار في العاصمة أيضاً، إنّه وزملاءه، سيكونون في مقدمة الخاسرين من هذه الحركة، لأنّ كل يوم إقفال سيكلّفهم الكثير، وخصوصاً أنّ «أياماً كثيرة تمرّ علينا منذ سنوات، من دون أن نبيع سلعة واحدة».
ويقارن محسن بين زمن التحضير لثورة 1979، وهذه الأيام. قبل 30 عاماً، «كان الوضع مختلفاً. كانت جيوبنا ممتلئة وكنا قادرين على إقفال محالنا لأشهر عديدة، أما اليوم فلم نعد قادرين على ذلك». ويوحي محسن في حديثه، بأنّ نجاد استطاع «ترويض» التجار في ولايته الأولى؛ ففي بداية رئاسته، قرر الرئيس استحداث ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 3 في المئة على التجار، فنظم هؤلاء إضراباً عاماً دام طويلاً. صمد نجاد رغم الكلفة الكبيرة في الخسارة الاقتصادية للبلاد، وفي النهاية كان التجّار هم الخاسر الأكبر.
وأمام «تقاعس» رجال البازار، اضطرّ الإصلاحيون إلى ابتكار وسائل جديدة للعصيان المدني بديلاً من الإضراب العام الذي «أحبطه» التجار. فعلى سبيل المثال، باتت «موضة» لصق صور «شهداء» التظاهرات رائجة في شوارع المدن الرئيسية، وعلى مرأى قوات الأمن. وبحسب الصحيفة الفرنسية نفسها، فإنّ دور التجار في المواجهة، أصبح مقتصراً على إعطاء عدد من أيام الإجازات لموظفيهم، لكي يتفرغوا للصعود إلى أسطح الأبنية والصراخ «الله أكبر، الموت للديكتاتور».
(الأخبار)