على وقع الموسيقى والشعارات المطالبة بالحرية الفردية، انقسم المشاركون في مسيرة «غاي برايد» والمتفرجون عليها في موضوع منع البرقع والنقاب في فرنسا، عاكسين الانقسام الذي يسود المجتمع الفرنسي
باريس ــ بسّام الطيارة
شارك أكثر من ٥٠٠ ألف شخص في أجواء احتفالية في نهاية الأسبوع في باريس في مسيرة «غاي برايد» التي ينظمها مثليو الجنس سنوياً، والتي اجتاحت مدينة الأنوار من ساحة دانفير إلى ساحة الباستيل وسط صخب الموسيقى. وتحولت الأرصفة إلى ساحة رقص ساخنة، حيث اصطفت الكراسي والطاولات، وفاق عدد المتفرجين عدد المشاركين.
تبارى المشاركون في ارتداء الملابس الغريبة والخروج بها إلى شوارع باريس، التي تشهد هذه الأيام ردات الفعل على إنشاء لجنة برلمانية لدراسة وقع التوسع في ارتداء «البرقع والنقاب» على المجتمع الفرنسي. وعندما حاولت «الأخبار» استطلاع رأي المشاركين والمتفرجين في مسألة منع البرقع والنقاب، تعجبت شابة مشاركة من السؤال في بادئ الأمر، قبل أن تقول: «أنا ضد منع أي شيء يتعلق بالحريات».
في المقابل، قال رجل في العقد الرابع يمسك بيد شاب مراهق في ربيع العمر: «هذه عادات مخالفة لعاداتنا الغربية، وبالتالي فهي تصدم المجتمع». أما الشاب الأصغر سناً، فيقول: «أوافق (على ارتداء البرقع) إذا كانت بشعة (المرأة)، فأنا أكره البشاعة». يتدخل في الحديث شاب ملون البشرة بحدة، مشيراً إلى أن الحظر «قهر للحريات». ويشاطره الرأي شابان متحولان جنسياً يرتديان فستانين ملونين. ويصرخ (تصرخ) أحدهما (إحداهما): «انظر إليّ، ألست حرة بارتداء ما أريد؟». ويستطرد (تستطرد) صديقها (صديقتها): «نعم، إذا قبلنا بأن تتدخل السلطة السياسية بما نرتدي، فإلى أين نذهب يا إلهي!».
وتمر امرأتان تحملان لافتة كتب عليها: «أنا سحاقية وفخورة بذلك». تتوقفان لبرهة، تبتسم إحداهما وتستمع إلى السؤال: «هل ارتداء النقاب يخدش المجتمع الفرنسي؟». تنظر نحو صديقتها التي تجيب قائلةً: «البرقع هو إذلال للمرأة، هو سجن لها، إن الرجل الذي يخاف من المرأة يجعل منها شبحاً أسود». وتضيف: «نعم يجب منع البرقع وكل ما يهين المرأة».
وعند سؤالها عن الحرية الفردية، تتردد قليلاً قبل أن تجيب: «هذه ليست حرية، هذا سجن»، متسائلةً وهي تبتعد: «هل تسمح لنا السعودية بأن نعيش ما نعيشه هنا؟».
أما على الرصيف فلا تختلف الأجوبة ولا تنوعها، إلا أن «الضيق الظاهر» من ملامسة فضاء الحريات الشخصية بارز بقوة في الأجوبة، ما عدا لدى بعض «النافرين من المسيرة» الذين مع إعلان مناهضتهم لمثليي الجنس، يعلنون أيضاً رفضهم «للملابس الإسلامية الآتية من أفغانستان»، حسب تصريح أحدهم. أحد مسؤولي المسيرة يعترف بأن السؤال عن «تشريع ما هو مقبول أو غير مقبول من المجتمع» يرتبط مباشرة بـ«مصدر اللباس وارتباطه بالإسلام». ويضيف من حيث المبدأ: «لا يجب القبول بأي حدود للحريات الفردية». إلا أنه يستطرد بأن «الإسلام له صورة غير محبوبة هنا تسمح للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالقول إن البرقع غير مرحب به».
في المقابل، وقفت سيدة ذات شعر أبيض تشد حقيبة يدها بقوة نحو صدرها، لتنظر باشمئزاز إلى المسيرة قبل أن تجيب: «اللواتي يرتدين البرقع أفضل من هؤلاء». وتضيف: «انظر إنهم يخالفون الطبيعة» وتتنهد قبل أن تقول: «أين الحكومة؟».
في مقهى قريب جلست مجموعة من الأصدقاء تراقب المسيرة. يوافق معظم أفرادها على «المساواة بين حقوق المواطنين» ويدعمون حق المثليين في «مواطنية كاملة». أما بالنسبة إلى البرقع والنقاب، فإن الانقسام نفسه الذي يسود المجتمع الفرنسي يبدو جلياً بين أفراد المجموعة. البعض يدعم حق المرأة في ارتداء ما يناسبها من لباس «حتى اللباس الغريب عن مجتمعنا»، بحجة «حماية الحريات الفردية» لكن شرط «عدم المبالغة»، في إشارة إلى ما ذكرته الصحف عن رفض بعض النساء خلع النقاب لإبراز صورة الباسبور أو في مراسم الزواج.
والبعض الآخر، بحجة الحريات الفردية نفسها، يرفض إخضاع المرأة للنقاب، ويرى في ذلك إهانة للنساء، وتذهب إحداهن إلى حد طلب إنزال عقوبة بالرجل الذي يجبر المرأة على ارتداء النقاب، فيسألها صديقها: «وإذا كانت هذه إرادتها؟». عندها يصمت الجميع متابعين المسيرة التي تحولت إلى مهرجان موسيقي ونسي العديدون أن انطلاقتها في الستينيات كانت للمطالبة بمعاملة إنسانية لا تشير إلى شذوذهم.