أقصى المقصّرين وأعاد توزيع أدوار البعض وأدخل لاعبين جدداً بينهم «صقور»أرنست خوري
لم تكن خطوة رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، يوم الجمعة الماضي بإعلان التعديل الوزاري الأوسع منذ تسلم حزبه «العدالة والتنمية» الحكم عام 2002، مفاجئة. فقد سبق للرجل أن تعهّد القيام بهذا الإجراء مع صدور نتائج الانتخابات المحليّة في نهاية آذار الماضي. غير أنّ التعديل الذي أراده أردوغان مذيّلاً بشعار «ليس في تركيا من لا يمكن استبداله»، حمل بعض المفاجآت التي سيكون لها أثر عميق على وجهَي تركيا في الخارج والداخل. وجه خارجي من المرجّح أن تتعمّق ملامحه الشرقية على حساب السحنات الغربية الأوروبية مع تعيين أحمد داوود أوغلو، «كيسنجر تركيا»، وزيراً للخارجية بدلاً من علي باباجان، مهندس الاقتصاد التركي الجديد. ووجه داخلي لا يبدو أنه سيكون ضاحكاً دائماً للعسكر وغلاة العلمانية، بما أنّ قائدين من «صقور العدالة والتنمية» في معارضة الشكل الحالي للعلمانية التركية والعسكرية المناهضة للإسلام كرمز ديني، قد انتسبا إلى النادي الحكومي: بولنت أرينش نائباً لرئيس الحكومة، وهو رئيس سابق للبرلمان التركي، وعمر دينشر وزيراً للعمل.
وأرينش هو أحد مؤسسي «العدالة والتنمية» مع أردوغان والرئيس عبد الله غول عام 2001، ومعروف أنه قائد جميع معارك الحزب الإسلامي ضدّ العلمانيين والعسكر على أساس قناعاته الإسلامية «الراديكالية»، وفق تعبير صحيفة «حرييت»، التي اكتفت بنبأ تعيينه ودينشر لترى أنّ الحكومة الجديدة هي حكومة «راديكالية». ويرى كثيرون أن تعيين أرينش نائباً لأردوغان (إلى جانب نائبين آخرين هما باباجان وكميل جيجيك الذي حافظ على منصبه) هو المهم، لأنّ المنصب سيتيح له حضور جلسات «مجلس الأمن القومي»، أو ساحة المواجهة الدائمة مع جنرالات الجيش.
والجذريّ الآخر في الحكومة الجديدة ـــــ القديمة، سيكون عمر دينشر، أمين سر أردوغان وأحد رجاله الأقوياء، وصاحب البيانات الشهيرة ضدّ العلمانية، التي كثيراً ما أثارت مطالبات أحزاب المعارضة بإقالته.
وبقراءة سريعة لبعض السير الذاتية للوافدين التسعة الجدد وللصامدين العشرة، يظهر أنّ غول حافظ على «حصّته» الحكومية المتجسّدة بـ 3 وزراء: بقي بشير أتالاي في وزارة الداخلية. أما تانر يلديز فتسلّم وزارة الطاقة بينما رُفّع رجل غول الآخر علي باباجان من وزارة الخارجية إلى نيابة رئاسة الوزراء. والأهم أن مهمة هندسة (تنسيق) الاقتصاد التركي «باتت محصورة بيديه»، على حد تعبير أردوغان، الذي شدّد على أنّ جميع هذه الأسماء «مؤقتة لأن التغيير هو أحد ديناميات الحياة».
وقال أردوغان عن تغيير المناصب الحكومية المتصلة بالاقتصاد «أردنا أن نكون أقوى في سياساتنا الاقتصادية وأن تدير يد واحدة الملف الاقتصادي». اقتصاد ضربته الأزمة المالية العالمية في الصميم، إذ انكمش بنسبة 6.2 في المئة في الربع الأخير من عام 2008 وسجّل رقماً قياسياً بوصول معدل البطالة إلى 15.5 في المئة. أما الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فلا يزال ينتظر التوقيع.
وعن تعيين داوود أوغلو، أشار أردوغان إلى أنّ «البروفسور»، مستشاره للشؤون الخارجية منذ بدأ العمل في السياسة، «منخرط في النشاط الدبلوماسي انخراطاً كبيراً وأعتقد أن خبرته تعطيه قيمة كبيرة لتولي منصبه الجديد».
وقد حاول أردوغان التأكيد على أنّ التعديل لا يحمل أهدافاً جزائيّة بحق مقصّرين في مسؤولياتهم. وقال «لا علاقة للتعديل بأخطاء ارتُكبَت، لكن هناك بدلاء للجميع ولا أحد في الحكومة غير قابل للتبديل». غير أنّ عاملَين أظهرا العكس؛ جميع المسؤولين السابقين عن الملف الاقتصادي إما أُقصوا من مجلس الوزراء، أو خسروا حقائبهم. كذلك كانت حال جميع الوزراء الوافدين من محافظات خسرها «العدالة والتنمية» في الانتخابات الأخيرة: أقيل محمد علي شاهين من وزارة العدل، وهذا ما حصل أيضاً مع كل من الوزراء السابقين: كمال أوناكيتان (المال) وحسين جليك (التعليم) خورشاد توزمان (دولة).
الخارجون 8: نائب رئيس الحكومة ناظم إكرن، وزير العدل محمد علي شاهين، وزير المال كمال أوناكيتان، وزير التعليم حسين جليك، وزير الطاقة والموارد الطبيعية محمد حلمي غولر، وزير الدولة مراد باش إسغيوغلو، ووزيرا الدولة خورشاد توزمان ومصطفى سيد يازجي أوغلو.
- الجدد 9: نائب رئيس حكومة بولنت أرينش، ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، وزيرا الدولة سلمى كوف وجودت يلماز، ووزير الاقتصاد والصناعة نهاد إرغن، وزير العدل سعد الله إرغن، وزير العمل والضمان الاجتماعي عمر دينشر، وزير الطاقة والثروات الطبيعية تانر يلديز، ووزير الأشغال العامة مصطفى دمير.
الذين حافظوا على حقائبهم 10: الوزير المفاوض في ملف ترشيح تركيا في الاتحاد الأوروبي إغمن باغيش، نائب رئيس الحكومة كميل جيجيك، وزير الداخلية بشير أتالاي، وزير الدفاع وجدي غونول، وزير الصحة رجب أكداغ، وزير النقل والمواصلات بينالي يلدريم، وزير الزراعة والري محمد مهدي أكر، وزير السياحة والثقافة إرتوغرول غوناي، وزير البيئة والثروة الحرجية فيصل إروغلو، ووزير الدولة محمد أيدين.
- الذين استُبدلت مناصبهم: وزير الخارجية السابق علي باباجان أصبح نائب رئيس الحكومة ومنسّق الاقتصاد التركي، حياتي يازجي وزير دولة بدل نائب رئيس حكومة، محمد شيمشيك وزير مالية بدل وزير اقتصاد، نعمت شوبوكشو وزيرة التربية الوطنية بدل وزير دولة، فاروق نفيس أوزاك وزير دولة بدل وزارة الأشغال العامة، ظافر شغليان وزير دولة بدل وزير التجارة والصناعة، وفاروق جليك وزير دولة بدل وزير العمل.


إلى الشرق الأوسط والبلقان والقوقازوداوود أوغلو هو الوزير الوحيد غير المنتخَب نائباً عن «العدالة والتنمية» من بين نوابه الـ 338. وقال، في أول كلمة ألقاها كوزير للخارجية، «علينا تأدية دورنا كمثبّتي النظام في مناطق الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، لا أن نكتفي بدور ردّّ الفعل بل أن نستبق الأزمات ونثبّت الاستقرار في هذه المناطق». ولتعويض النقص الذي سيلحق بإدارة ملف ترشيح تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، سبق أن عيّن أردوغان إغمن باغيش وزيراً مفاوضاً مع الاتحاد.