كانت صدفةً أن يأتي الهجوم على مقرّ مجلة «تشارلي إيبدو» في اليوم عينه لصدور رواية ميشال هولبيك الجديدة «استسلام» أو «سوميسيون» التي تصدرت عناوين الصحف والإذاعات والمحطات التلفزيونية في الآونة الأخيرة لتناولها سيناريو افتراضياً حول فوز مرشح مسلم في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2022.فقد بدأ السجال حول أبعاد الرواية وأهميتها قبل أيام، فيما رأى عدد (محدود) من المعلقين والمحللين، وأنا من ضمنهم، إشارةً جديدة إلى موجة رهاب إسلام تجتاح أوروبا (مظاهرات في ألمانيا، وهجمات على مساجد في السويد، واعتداءات على محجبات في فرنسا).

لم تتوافر لدينا بعد كلّ المعطيات المتعلقة بهذا الهجوم الذي أدى إلى مقتل 12 شخصاً. هل يتعلق بالمواقف التي كانت قد اتخذتها المجلة، وهي التي كانت قد تعرضت في السابق لتهديدات ولهجمات بقنابل حارقة؟ هل شنّت الهجوم مجموعات أجنبية «لمعاقبة» فرنسا على دورها في مالي وتشاد؟ من دون شكّ، ستحمل الأيام المقبلة توضيحات وإجابات عن كلّ هذه الأسئلة. ولكن في أيّ حال، لا يمكننا إلا إدانة هذا الهجوم بأشدّ لهجة وتوقيف المنفذين وإحالتهم أمام العدالة. فلا شيء يبرر فعلاً مماثلاً، بغضّ النظر عن الدوافع أو المحرضين أو المنفذين، ولكن يتعين معرفة كافة قرائن هذا الهجوم بما أنه قد يؤدي إلى ردود فعل خطرة في المجتمع الفرنسي.
أخذت «تشارلي ايبدو» منذ بداية الألفية منحى تحريرياً معادياً للفلسطينيين، على الأخص خلال الانتفاضة الثانية، وأيدت الحرب الإسرائيلية على لبنان سنة 2006. كذلك أطلقت المجلة حملات معادية للإسلام، فأعادت عام 2006 نشر الرسوم المسيئة إلى الإسلام التي كانت قد وردت في صحيفة دانماركية. وقد أحدثت هذه المواقف انقساماً في صفوف العاملين في المجلة ودفعت عدداً من الصحافيين إلى الاستقالة.
لا بدّ أن مواقف الصحيفة جعلتها عرضةً للاستهداف، غير أنه في بلد مثل فرنسا، لا يبرر أي شيء التعرّض للصحافيين جسدياً أو اغتيالهم. لقد انتقدت أكثر من مرّة رهاب الإسلام الذي تعبّر عنه «تشارلي إيبدو»، لذا يمكنني أن أدين الهجوم الذي تعرضت له من دون أيّ تحفظ.
لا شكّ أنه سيكون لهذا الهجوم عواقب وخيمة في فرنسا، إذ سيؤجج موجة رهاب الإسلام التي تجتاح البلاد، وبلاد أوروبية أخرى، وتصوّر المسلمين كـ«أعداء الداخل». ولكن ربما حان الوقت لإطلاق حوار معمّق حول «الحرب على الإرهاب» التي أعادت بعض الدول الأوروبية و«المجتمع الدولي» إطلاقها إثر توسّع تنظيم الدولة الإسلامية.
وهنا، يتعيّن مراجعة نتائج هذه الحملة المتجددة (المزيد من أعمال العنف حول العالم، تبريرات لانتهاك الحريات، تفاقم التوترات المذهبية، تجديد الدعم للأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأدنى والمغرب العربي). لذا نسأل: ألم يحن الوقت لتغيير هذا النهج المتبع واستيعاب حدود التدخل العسكري والبدء بمعالجة المشاكل السياسية؟
في ظلّ هذا الجوّ المتوتر، لا يمكننا إلا أن نهنئ رئيس الحكومة النروجي جينس ستولتنبرغ على الموفق الذي أطلقه، فقال: «سنردّ على الإرهاب بمزيد من الديمقراطية ومزيد من الانفتاح والتسامح».


(ترجمة هنادي مزبودي)
* رئيس التحرير المساعد
في «لو موند ديبلوماتيك» (فرنسا)