حكاية طويلة مع تطبيق الشريعة واتفاقيات السلامشهيرة سلوم
يوصف وادي سوات الواقع في المنطقة الشمالية الغربية لباكستان بالجنة نظراً لجمال طبيعته. لكن تلك الجنة هي اليوم جنة «القاعدة» و«طالبان» وحلفائهما، أو كما تصفها تقارير الاستخبارات الأميركية «الملاذات الآمنة». منه ينطلقون لشنّ هجماتهم على جانبي الحدود في أفغانستان وباكستان. منطقة تشغل بال واشنطن كثيراً في هذه الأيام، بعدما نجح المتمردون في بسط نفوذهم عليها والاقتراب من العاصمة، إسلام آباد، لتطبيق اتفاق السلام الذي أُبرم مع الحكومة في شباط الماضي ويقرُّ بإنشاء المحاكم الإسلامية عبر ما يسمى «نظام العدل».
حكام إسلام آباد أيضاً شعروا بالخوف، فأرسلوا الجيش إلى المنطقة منعاً لخطر «سقوط النظام في أيدي المتشددين». رُدّت الروح لواشنطن، إذ أدركت حليفتها الخطر الداهم واحتوته، حتى الآن، رغم استعدادها للتدخل عند الحاجة. لكن حكاية الوادي مع تطبيق الشريعة واتفاقيات السلام، لا تبدأ أو تنتهي عند هذه النقطة.

تطبيق الشريعة

الحكاية مع تطبيق الشريعة بدأت منذ كان سوات مملكة، إلى ما قبل انضمامه إلى باكستان عام 1969، حين كان يحكم بقوانين الشريعة الإسلامية. لكن بعد الانضمام استبدلت قوانين الشريعة بالقانون المدني المشتق من أصول قانونية بريطانية. ومع فساد الجهازين القضائي والإداري بدأت تخرج أصوات تذمر، ولا سيما بعدما تحول الوادي إلى منطقة سياحية جاذبة اقترنت بوجود فنادق وخمور وأساليب عيش مغايرة عما هو معتاد.
وحاولت جماعات دينية حليفة لرئيس الوزراء السابق، نواز شريف، في البرلمان، خلال تسعينيات القرن الماضي، إدخال قانون ينص على تطبيق الشريعة في باكستان، مستندة إلى المادة الثانية من الدستور التي تنص على عدم جواز تطبيق أي قانون مخالف للشريعة. لكن محاولات هؤلاء فشلت بسبب ممانعة التيار العلماني.
بعدها أنشأ رجل الدين النافذ، صوفي محمد، حركة نفاذ الشريعة المحمدية في سوات ومالاكند، وقاد حركة ضغط على الحكومة لتطبيق الشريعة. ثم تأثر بما فعلته «طالبان» في أفغانستان، حيث سيطرت وحكمت، رغم أنه لم يكن على صلة تنظيمية بها، إذ كانت أصوله الحركية تمت بصلة إلى الجماعة الإسلامية الباكستانية، بينما كانت «طالبان» أفغانستان تمثل الفكر الديني للتيار التقليدي في المذهب الحنفي في شبه القارة الهندية.
وبعد أحداث 11 أيلول 2001، جنّد صوفي محمد مجاهدين لإرسالهم إلى أفغانستان لقتال الجيوش الغربية، ما أودى به إلى الاعتقال، قبل أن يخرج أوائل هذا العام. وتزعم الحركة أثناء غيابه، مولانا فضل الله، الذي تابع النضال لتطبيق الشريعة، فيما خرجت بعض الجماعات الدينية الموالية لحركة «طالبان» عن نهج فضل الله، الذي تقرب بدوره من عبد العزيز وشقيقه غازي عبد الرشيد، وهما زعيما المسجد الأحمر، الذي هاجمته القوات الباكستانية في تموز 2007 وقتلت مئات الطلاب الذين تحصنوا داخله. هجوم أشعل منطقة القبائل، وهب المسلحون لقتال القوات الباكستانية إلى أن تمكنوا من السيطرة على الوادي والمناطق المحاذية به خلال فترة وجيزة.

اتفاقيات سلام هشة

ناضلت الجماعات الدينية في تلك المنطقة التي دارت في فلك حركة نفاذ الشريعة المحمدية، لتطبيق الشريعة بمختلف الوسائل المدنية والعسكرية، وإن كانت قد وصلت إلى حد فرض الشريعة بالقوة من خلال تفجير المدارس ومنع الفتيات من التعليم وإغلاق أو تفجير المراكز «التي تروّج للرذيلة»، كمتاجر بيع أشرطة الموسيقى والأفلام وصالونات الحلاقة وغيرها.
وتراوح قتال تلك الجماعات الموالية لتنظيمي «القاعدة» و«طالبان» بعد 11 أيلول للجيش الباكستاني بين كرّ وفرّ. كانت تستقطع تلك المعارك باتفاقية سلام، لا يلبث أن ينتهكها أحد الطرفين، حتى تتدخل وساطات زعماء القبائل وتعيش المنطقة هدنة مؤقتة، معرضة للانفجار عند أقل هزة.
فاتفاقية أيلول 2006 قامت على إطلاق سراح مجموعة من المعتقلين الموالين لطالبان وتعويض العائلات المتضررة نتيجة العمليات العسكرية للجيش في المنطقة، وانسحاب القوات الحكومية منها، في مقابل طرد الحركة للمقاتلين الأجانب والتوقف عن شن هجمات عبر الحدود. اتفاق ما لبث أن انتهك، وتجدد القتال. هذا الاتفاق في الواقع، هو إعادة لثلاث اتفاقيات سابقة وقعها نظام برويز مشرف.
وفي بداية العام الجاري كان المسلحون قد تمكنوا من السيطرة على المنطقة بكاملها، وأسسوا في 59 بلدة حكومات موازية ومحاكم إسلامية لتطبيق الشريعة، رغم وجود 20 ألف جندي باكستاني.
وفي محاولة أخرى لفرض السلام والاستقرار في المنطقة، وقعت إسلام آباد في شباط الماضي اتفاقية سلام مع «طالبان» وافقت بموجبها على تطبيق الشريعة في الوادي، بوساطة صوفي محمد الذي كان قد خرج لتوّه من السجن.
اتفاق أثار حفيظة الدول الغربية، وفي المقدمة واشنطن، في الظاهر دفاعاً عن الحقوق المدنية للسكان المحليين، بعدما وجدوا في تطبيق القوانين التي تفرضها الحركة تناقضاً مع حقوق الإنسان، وفي الباطن، لخشيتها من أن يعزز هذا الاتفاق نفوذ «القاعدة» ورفاقها، ولا سيما أنها مقتنعة بأن الفضل في أن سوات باتت جنة «القاعدة» ومضجع زعمائها يعود إلى اتفاقيات السلام التي وقعها برويز مشرف مع المسلحين وأعطتهم هامشاً من الحرية كي يعززوا نفوذهم.


العملية متواصلة: مقتل 140 طالبانياًوقال المتحدث باسم الجيش، أطهر عباس، إن نحو 140 من عناصر «طالبان» قتلوا خلال الساعات الـ24 الماضية. وأضاف أنه «وقع سبعة شهداء من قوات الأمن وأُصيب 12 آخرون في وادي سوات خلال الساعات الـ24 الماضية».
وقد نزح آلاف المدنيين من وادي سوات سيراً على الأقدام أو في سيارات، فيما حذر الصليب الأحمر من أزمة إنسانية في هذه المناطق المكتظة بالسكان.
وكان رئيس الوزراء، يوسف رضا جيلاني، قد قال في خطاب موجه إلى الأمة بثّه التلفزيون ليل الأول من أمس، إنه «آن الأوان لكي تقف الأمة بكاملها إلى جانب الحكومة والقوات المسلحة لمواجهة هؤلاء الذين يريدون أن يجعلوا من البلاد بأسرها رهينة».
(أ ف ب، يو بي آي)